قراءة في قصيدة الشاعرة لودي الحداد “لهب الفينيق وحلم الثورة”

Views: 844

د. جوزاف ياغي جميّل

 

كأنَّما اللَّهبُ الأسودُ يلُفُّني،

أهوَ حزنٌ،

أم وجعٌ

أم خيبةٌ،

أم إن َّالدَّمارَ قد هدَّني؟!…

عودِي أيَّتُها الأحلامُ،

فبكِ عقدُ الياقوتِ،

زجاجةُ عطرِي

وبقايَا أساورِي…

             لودي الحداد

 

***

لهب الفينيق… هو عنوان لهذه المقطوعة الوجدانية التي حاكتها أنامل الشاعرة لودي الحداد، في عالم من الحداد.

وتسأل  الشاعرة:

أهو حزن

أم وجع

أم خيبة

لا يا صديقتي، لا حزن ينادم أكبادنا لأن الموت، مع بيروت، ليس موتا، بل قيامة، وانبعاث من رماد.

لا تحزني، يا زرقاء يمامة القرن الحادي والعشرين. ولا يخيفنّك تدجيل المنجّمين الغربان. بيروت لم تمت، ولكنها قربان.

لنا أن نحزن، حتى الموت. ولكن حزن المؤمن قصور من رمال، سرعان ما تمحوها أمواج الرجاء والأمل.

قد يكون ما نشعر به، بعد هول الكارثة المريعة، وجعا. ولكنه وجع الولادة. وجع يرهص بثورة  تولد من رحم الأحزان.

أيها الوجع الجرح المعتق في القلب العليل، كن لنا الهادي والدليل. كن لنا الصولجان وراعي التيجان.

أيها الجرح/الشعر، يا منقذا من ضلال الغرق في الظلال، لست وحدك في الميدان. عطر آلامك جلجلة قيامة. لحن جراحك سنفونية إيمان يعزفها فنان الموت، ولا يجرؤ على ادعاء ملكيتها سجان.

والخيبة؟

الخيبة، كما العتاب، على قدر الأمل. ولكن النفس المضمخة بحبر الجمال لا يستعبدها إحباط أو قنوط. الخيبة والأمل صنوان، وجهان لعملة واحدة. تماما كما النور والظلام. وكلما اشتد الظلام سطع النور بشكل أشد وأبهى. وابنة الإيمان تعرف يقينا أن ظلام العالم كله لا يخفي نور شمعة صغيرة. فلنكن نحن، أبناء النور، شمعة تهزأ بخيبات العالم المدحور باسم الحق الذي لا يموت، مهما اشتدت الأعاصير والنكبات.

لا تخافوا ممن يقتل الجسد، يقول السيد. والدمار الذي أصاب سيدة البلدان، وجوهرة القلوب، لن يكون قادرا على المساس بعزيمة أهلها الشجعان. دمار الحجر اعتدناه، منذ مئات السنين. زلازل طبيعية، وغير طبيعية دمرت المدينة. وعادت، كما الحق، لتشهد أنها أم الانبعاث، وأنها عصيّة على الموت، أو الاجتثاث. جذورها راسخة في التاريخ وفي الضمائر، سيدة المصائر، لا يقوى عليها يباب، أو استبداد جائر.

يهدك الدمار أم الغضب والجمار؟ غضب يصب لعناته  على مسؤولين غير مسؤولين، على مأساة زلزلت أعمدة الهيكل.

أيها الزمن لا تقف، بل عد إلى ما قبل نزف الدماء، إلى حيث يلتقي البحر أهداب السماء. عد إلى مرتع الحلم، في شرايين العماء.

تهرب الشاعرة من الواقع المريع إلى الأحلام. وكم في الحلم من كبت وجنون بغير ملام. أحلام ماض من الياقوت، كبيروت، لا يموت. يوم كانت الشاعرة ذات عطر، وحلي، في قصور من ذهب. يوم كانت ولم يكن في القصر أبو لهب، أو شهريار.

هو الحلم منجاة، أيها الشاعرة الأميرة.يرجع لنا ما كان في لبنان، من جمال لم يتخيله سابقا فنان.

حين تعصف المأساة بالواقع، تصاب الشاعرة بالإغماء، ويبدأ الحلم. ولكني أراه حلم ثورة يحطم الأصنام، ويبيد، يفك أغلال العبيد.حلم إيمان بغد أفضل، في لبنان الجديد.

هو اللهب يلفك أيتها النبية. ولكنه لهب الغضب لا لهب الموت والنار. غضب يشعل الموج وأهداب الياسمين، بانتظار عودة الفينيق الغريق، في لجج الشعر الأبي، عنوانها الغضب الساطع الآتي من رحم الأحزان.

لودي الحداد، أيتها النبية الأبية، أراك تقاومين اليأس بالحلم. حلم يوقد النار في هشيم الموت، ويعلن أن الشعب قد أراد…وأنه أهل للحياة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *