هِيَ قَوانينُ الْطَّبيعَة
فارس الحَرَموني المَهْجري
يَا صَبِيَّةَ المَدائِنِ الدَّائِمَةِ
عَلَى شَاطِئِ شَرقِ المُتَوَسِّطْ
يَا لَكِ المُتَجَذِّرَةُ فِي التَّارِيخِ والقَانونْ
وهَكذَا قَوانِينُ الطَّبِيعَةِ
تَشُدُّهُ إِلَيكِ فِي خَرِيفِ العُمرْ
آمِلاً حُسْنَ الخَاتِمَةِ
كَهْلَا تَعِباً عَطْشانَ، يَتصَبَّرُ
ويَتبَصَّرُ أيَّ دَرْبٍ هِيَ الصَّيْرُورَةِ إلَيكِ
يَتسَتَّرُ لِيُخْفِيَ شَيْبَهُ
وَالتَجَاعيدْ
مُثقَلًا بِمَا سَبِرَ وَخَبِرَ
يَرْنُو أَن يَرتَاحَ مِن عَنَاءِ الرِّحلَةِ والتِّرْحالْ
يَستَرْجِعُ تَعَبَ الأُبوَّةِ الزَّكِيَّةْ
ويَستَذْكِرُ صَلَواتِ الأُمومَةِ والتَّسابيحْ
فِي رِقْعَةِ أَرْضٍ
ولَوْ مِن حَجَرٍ وشَوْكْ
وبِضْعِ زَهْرَاتٍ بَرِّيةٍ تَنمُو هُناكْ
ولَا تُفَارِقُ المَبيتْ
وعَلَى التَّلِّ المُطِلِّ
فَوقَ بَحرِكِ وَالشِطآنْ
وقُربَ السَّرْوَةِ والصَّنَوبَرِ
مَشغُولٌ مَهْموكٌ هُوَ
عَرْقانٌ تَحتَ السِّندِيانَةِ
يُحَاذِرُ سَطوَةَ الشَّمْسِ
يَقتَلِعُ العَوْسَجَ والبِلّانْ
بِأصابِعَ لَيتَهَا فَلَحَتْ
وتَخَشَّنَتْ مِن زَمانْ
يُلَملِمُ الحَصَى
يُجَوجِلُ أينَ هِي الجَميلَةْ؟
يَدُورُ وكَأنَّهُ مَوْرَجُ البَيادِرْ
يَسأَلُ الزَّعترَ والطَيّونْ عَنِ الحَالِ
وبَخُّورَ مَريَمَ وشَقائِقَ النُّعْمانْ
يَسقِيهَا عَرَقَ العُمرِ والغُربَةْ
لِتَنمُو جَمعَاءَ
وتَفُوحَ مَا طَابَ لَهَا
يَزرَعُ الكَرمَةَ والرُّمانْ
يُخَمِّرُ النَّبِيذَ
وَيُقَطِّرُ الرَّيْحَانُ
وَعِنْدَ المَسَاءِ قُبَيل النُّجومْ
يَحتَسِي سُكُونَ الطَّبِيعَةِ
وَرُجوعَ العَصافيرْ
يُوآنِسُ الخُلوَةَ
يُقَاوِمُ الوِحْشةَ
يَكتُبُ لِلصَّفَاءِ ولِلذِّكْرَى
وفِي اليَوْمِ التَّالي
يَنتَظِرُ الأبنَاءَ والإِخوَةْ
وبِضْعَةَ أصْدِقَاءٍ خُلَصاءْ
لَعلَّهُمْ يَرُوحونَ ويَبحَثُونَ عَنهُ
وَحِينَ يَجِدُونَهُ
فَإنَّمَا وحِيداً عَلَى التَّلَّةِ
يُنَاجِي بَحرَكِ الأَزرَقِ وَالمَدَى
وَلَمَعَانِ الأَنوارْ
***
مَلامِحُكِ وَالْشَّوارِع
تَغيَّرَتْ مَلاَمِحُكَ والشَّوَارِعْ
وَتمَازَجَ لَحْنُ أزِقَّتِكِ والنَّشازْ
وَشَعْبُكِ خَليطٌ آخَرْ
مِنَ الوُجُوهِ والأَجْسامْ
لَكِنَّهُ الوَقْتُ يَلبَثُ مَعَكِ
سَوْفَ سِتُّ البَيْتِ تَعْمُدينَ وتُرتِّبينَ
كَما هُوَ قَدَرُكِ عَبْرَ التَّارِيخْ
وَهِجرَاتُ الدَّاخِلِ ومِنهُمْ أَهلِي إِلَيكِ
إحتَرْتُ مَعَكِ وَمِنكِ،
أمَا زِلْتِ تَذْكُرينَني
بَعدَ الغُرْبَةِ الأوْلَى
والغُرْبَةِ الثَّانِيةِ نَائِياً فِي المَعْمورةْ
فَإن عَرَفْتِنِي، عَانِقِينِي
صَبِّحِينِي بِشَمْسِكِ وَسَمِّرِيني
مَسِّيني بِالخَيْرِ
ضُمِّينِي لِصَدْرِكَ، ولَيِّلينِي
***
(*) من ديوان “رباعية بيروت- أناشيد” الذي يصدر قريبًا عن دار نلسن-بيروت