زمن الجهل والعقوق

خليل الخوري  

استمعتُ إلى حوار تليفزيوني أعترفُ بأنّ الضيف إستفزّني كما لم أُستَفزّ من قبل. ليس لأنه أثارَ ما يتناول شخصاً أو مرجعية روحية أو زمنية تعنيلي، وليس لأنه أثار حساسيّتي تجاه منطقة أو موقع أو فريق بعينه… إنما لأنه قال الآتي: «وماذا إذا سقطَ لبنان؟ فليسقط لأنه بُني على خطأ، وهو بلدٌ خطأ بحد ذاته». وتناول الآباء المؤسسين بالكلام الجارح.

أود أن أعلن، بالفم المليان، أنّ صاحب هذا الكلام، حامل الهوية اللبنانية، أقلّ ما يُقال فيه جاهلٌ وعاق، وربما الإثنان معاً، خصوصاً أنّ الحديث كان بمناسبة المئوية الأولى لإعلان لبنان الكبير.

إنّ الردّ لا يمكن أن يكون هادئاً. لكنني سأتغلّب على الذات وأتحدّث بكلام المنطق الهادئ:

أولاً- لبنان ليس خطأ لا في الجغرافيا ولا في التاريخ. وهذه الأرض التي ورد إسمها في الكتاب المقدّس، في العهد القديم، نحو 78 مرّة، ليس خطأ ولا هو مصادفة. هو حقيقةٌ تاريخية واضحة وصريحة وثابتة.

ثانياً- إنّ الآباء المؤسسين أنشأوا وطناً للمساواة والعيش المشترك والديموقراطية، فريداً، في منطقة كانت ولا تزال تقوم على الفردية والإستبدادية والتوتاليتارية والعنصرية والقبلية وحتى على التخلّف المغلّف، اليوم، بتكنولوجيا العصر.

ثالثاً- هذا اللبنان الذي لا يُعجِب الموتورين حوّله الآباء المؤسسون إلى واحة في صحراء: إلى مستشفى المنطقة، ومدرستها، وجامعتها، وكتابها، ودار نشرها، وموئل الأحرار فيها، وصحيفتها، ومطبعتها، ومطعمها، ومنتجعها، وعليل هوائها، وعذب مائها، ومصرفها، وصوتها المدوّي يوم كانت بكماء صمّاء، وحامل قضاياها، ورسول سلامها…

رابعاً- إنّ هذا الوطن، الذي لا يُعجِب ذلك الجاهل العاق، هو الذي أنشأ صحف المنطقة من القاهرة إلى المنامة، وصحافيّوه وإعلاميّوه هم الذين بنوا النهضة الإعلامية في هذه الأمّة.

خامساً- إنّ الآباء المؤسسين هم الذين حوّلوا لبنان إلى البلد الأكثر إزدهاراً في المنطقة بالرغم من تدفّق النفط وسيلان الغاز في الكثير من بلدانها، بينما هو يستورد هاتين الثروتين الطبيعيّتين بالليتر والقدم المكعب.

سادساً- وأخيراً وليس آخراً، إنّ خطيئة أولئك المؤسسين أنهم لم يحسبوا الحساب إلى يوم يأتي، وقد أتى، ستتحكّم بوطنهم مجموعة من الجهلة والعاقّين والفاسدين الذين أسقطوا القيم، وهتكوا المبادئ والكرامات، ومكانهم الطبيعي السجون وليس الصدارة.

(Ativan)