أيها الكاتب: ماذا يعني وجودك في ظل تغيّر القيم (1) / غادا فؤاد السمان: المصائب لا تأتي فرادى …

Views: 37

مجموعة أسئلة تطرحها “الحصاد” على مجموعة من الأدباء والفاعلين في الحركة الثقافية اللبنانية  تتعلق بالكاتب والكتاب في ظل أزمة الكورونا والوضع الإقتصادي العالمي، سائلة هل هناك أزمة وجودية عالقة ؟ الأجوبة جاءت تباعاً من الشاعرة السورية غادا فؤاد السمّان ، وهي رئيسة تحرير مجلة  “إلاّ”  الإلكترونية …

 

 

ما الجديد الذي أحدثه الفايروس في حياتك، صورة، وفناً، وأدباً ؟!

ثمة مثل صيني يقول”المصائب لا تأتي فرادى”، والفايروس الذي اعتقدناه مزحة سمجة مع موسم الصقيع الفائت، كان عبارة عن قافلة استجرّت معها تَبِعاتها من حَجْر وإغلاق وتعليق شبه مطلق للحركة، الأمر الذي شلّ مظاهر الحياة الفعلية للحياة المألوفة، فتدهورت المنظومة الاقتصادية، التي كشفت العورات السياسيّة، وأظهرت حقيقة الجسم الطبّي وقد برزت أنياب الاستغلال والانتهازية والمزايدات في الخطط والإجراءات والعجز، فانهارت البنية الاجتماعية بُنية تلو الأخرى بإعدام الطبقة الوسطى وما دونها، وماعداها، ولم يبق من المجتمع سوى نقيضين فقط وهما المُستَغِلِين الذين أثرتهم المُتجارة حتى بأرواح الناس ومصائرهم والمُستغَلين الذين يعيشون تحت خطّ الفقر بأبعادٍ وأبعاد، وعندما تصبح الحقيقة مؤلمة إلى هذا الحدّ تتآكل المخيلة، تتلاشى الرؤى، وتتبدّد الصورة، لايبقى سوى الواقع، ويصير ككتاب موحّد إلزاميّ، نتمنهج وفق نظرياته المفروضة قسراّ لا جدال فيه ولا نقاش ولا مقاربة، بعدما استهلكنا الكثير من الوقت في ابتكار اللغة الساخرة لنعزّي أنفسنا، حتى وصلنا إلى النقطة الكبيرة السوداء وقد أحكمت دائرتها حولنا من جميع الجوانب المذكورة أعلاه، إلى أن سقطنا في براثن التفريغ من الانتماء لشيء، والطمأنينة لأي شيء، والشعور بانعدام الجدوى من كل شيء، فيبست الأقلام، وجفّ الحبر، وتخثّر الفكر، وبهتت الأبجدية، وصارت القصيدة كما رشّة السبيرتو” تتبخّر قبل أن تتشكّل، وصارت القراءة كرغوة الصابون المتكررة لدرجة الملل، وأصبح الوجود مجرد مصحّ مختوم بالشؤم الأحمق لسوء الاستعمال وانتهاء الصلاحية.

 ماذا يفعل المعنى حين يخرج عن مساره، لغة واصطلاحاً؟!

المعنى لا ينشأ من فراغ، المعنى وليد اللغة، واللغة كائن حيّ ككل الكائنات يحمل جينات كاتبه وجميع مورّثاته الفكرية والمعرفية والمزاجية والسلوكية والأخلاقية بإيحاءات تختلف قدرتها على التعبير بين الوضوح والإبهام من منظومة إلى أخرى، لهذا كله وكثير مما لا يمكن شرحه لضيق المساحة، عندما يخرج المعنى عن مبناه يضيع، ويتوه، ويتخبّط، ويقع، لهذا يرى البعض المرحلة أننا “في خضّم الانحطاط”.

هل تبحثين في ظل غياب الورق والحبر، عن طور جديد للمعنى؟، أين يكمن الوجود بك، بعيدا عن الحياة اليومية، ووظيفة العيش؟!

  المعنى يكمن في حدود ذاته، وحدود نشأته ومناسبته ومناخاته وطقوسه وهواجسه ووساوسه وشطحاته، هو ليس رهين الاداة سواء كانت ورقة وقلماً ام جهازاً محمولاً، المعنى نواةُ الكلمة، والكلمة لايغيرها الحامل او الناقل، تغيّرها البيئة والحالة والعقلية المسيطرة على الفكرة، لهذه الاعتبارات قاطبة وكثير غيرها، ليس مهمتي البحث عن المعنى بقدر إتاحة الفرصة لولادة من رحم الكلمة حين يكون لها وصايتها التامة على المعنى ، كأن أسأل نفسي مثلا لماذا أكتب ولمن أكتب وكيف أكتب، وهنا يتجلّى المعنى لكل متفرّس على حده ووفقاً لزاوية الرؤية التي تخصّه وحده لا غير. أما عن الوجود الكامن بي هو أقرب لكونه مرآة تعكس العالم الداخلي كي توجد التلاؤم والتناسب والانسجام وأحياناً الاختلاف الجذري الذي يصل حدّ الخلاف المتمثل في تناقض الأنا العليا والأنا الدنيا الى درجة النفور والصراع المتواصل إلى مالانهاية.

ماذا تقولين للمعرفة أمام كثرة العلوم والاختراعات وسرعة الضوء؟!

ليس المطلوب أن يكون الجميع ذاك العالم او هذا العبقري، ومما لا شكّ فيه أن المعرفة مفتاح لأبواب كثيرة، وكرت تشريج زاخر بالفرص والاحتمالات، ولكن للمعرفة سقف تتلخص بالقدرة على الاحتمال حسبما يتوفّر من الطاقة للتتدقيق والمتابعة، وسرعة الضوء لن تتوقف عند اكتراثي او عدم فضولي، فكل ماعلينا هو أن نلتزم الحرص بجميع متاهاته، وأن نعتنق المنطق كأسهل الولاءات الممكنة.

  برأيك هل اندثر البياض في ظل الألوان الكثيرة التي اجتاحته، ولم يعد العالم سوى ظل لمكان آخر لن نطاله؟!

البياض الكامن في القلب هو سيد الالوان، وسيد الوجع وسيد الفرح وسيد التداعيات، لا يهم كم من البياض وجدنا او افتقدنا في مسيرة كل منا، وهنا سيعرف كل مودع ما لديه من مخزون البياض في الروح والنفس والذات، وهذا يكفي تماماً.

في ظل الوضع الاقتصادي العالمي والانهيارات المتعددة للقضايا الكبرى، ماهي القضية التي يبحث عنها الفن والشعر والفلسفة.. ؟!

الفن بجميع أشكاله مأزوم على امتداد عقدين متتاليين من الزمن  والتراكم، وأهم قضية للفن لم تعد تلك الرسالة الهادٍفة، بل ثمّة تدنّي هائل للَمجتمع بكل ما لديه من اشكال للسلوك والتعبير، والتبرير التجاري الذي يتحكم في مفاصل الحركة الفنية وقد حولها من العلوي إلى الارضي ومن الروحي إلي المادي ومن السامي إلى العادي، وهتا وقع الفنان الحقيقي اسير الخيبة والاحباط وصل به إلى حد الانكسار والشلل والإعاقة الكلية لعدم اكتراث المؤسسات الرسمية الحكومية، وسطوة رأس المال الذي يملكه محدثي النِعَم، في زمن السمسرات والحروب والمتاجرة بالبشر وغياب الضمير وانعدام الحسّ واحتضار الذائقة والذوق والرقي، والطامة الكبرى بدأت مع انسلاخ المجتمع عن القيم والمبادىء وَمكارم الاخلاق، باقتصار أسس التربية عند الأهل على التغذية المادية وانعدام التغذية الفكرية والروحية لانعدام الأهلية، واعتماد الثقافة السطحية العائمة، بدون دعامات التقاليد والعادات التي كانت تمتّن قواعد الخلية الأُسرية فيما مضى، والفن والشعر هما مرآة عاكسة لمضمون هذه الخلية التي بدأت تكرس مفهوميّ الانفلات والتفلّت لا أكثر، والأخطر شيوعاً تلك الظاهرة المتمثلة بخفافيش الكتابة الذين يتخفّون في كواليس جوقة من الدمى النسائية الفارغة تماماً خلف الأقنعة والمساحيق، كفزّاعات الحقول والمناسبات المفتعلة والابتسامات الساذجة والعلاقات المشبوهة، اما الفلسفة حالها حال النقد عُتهٌ وسَفَهٌ وهرطقات وسفسطة.

(https://mva.la/)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *