عبد الرحمن الأبنودي (1938-2015) في ذكراه الخامسة… شاعر “عدى النهار” وأيامنا الحلوة

Views: 955

سليمان بختي

يعتبر عبد الرحمن الأبنودي (1938-2015) أحد الورثة الكبار للشعر العامي المصري، وأحد أشهر شعراء العامية في مصر. واستطاع أن يكتبه بقوة وتأثير بالقصائد والأغاني والمواويل. ورغم عيشه الطويل في القاهرة إلا انه لبث الابن البار للقرية المصرية وحاملاً قيمها ورموزها وأساطيرها. ولبث إيمانه نقياً بالإنسان المصري وبالقومية العربية وبالقيم الأخلاقية والوطنية والإنسانية التي تصنع الحياة. زار لبنان عدة مرات وله فيه صداقات وعلاقات وقصائد. نتذكر الشاعر الأصيل عبد الرحمن الأبنودي ونستعيد صوره في الذكرى الخامسة لرحيله.

ولد عبد الرحمن الأبنودي في قرية ابنود بمحافظة قنا في صعيد مصر. كان والده مأذوناً شرعياً هو الشيخ محمود الابنودي وقد اعتاد عبد الرحمن أن يرافقه صغيراً إلى الأعراس والموالد حيث الفرصة لكي يسمع السيرة الهلالية التي تأثر بها. يروي في سيرته انه عمل راعياً للغنم وانه لم يستخدم الحذاء إلا في المدارس. ويقول عن مهنة الرعي “إنها مهنة يا تطلع منها نبي يا تطلع شاعر لأنك تتأمل الطبيعة والناس”.

انتمى باكراً إلى الحزب الشيوعي وسجنه عبد الناصر لخمس سنوات ولكنه ظلّ ينظر لجمال عبد الناصر بأنه المثال والامل وكتب قبل وفاته بسنين قليلة قصيدة مؤثرة بعنوان “موال إلى جمال” وقال فيها: “المجد مش شغل صحافة واعلام/ المجد شغل قلوب يا جمال”.

عمل ونشر في الصحافة وشجعه صلاح جاهين على الكتابة وعلى استمرار التمسّك بالاصالة. وصدر مؤخراً عن دار المصري كتاب “الخال” للكاتب الصحفي محمد توفيق يتناول فيه سيرة الشاعر الذاتية ويرصد فيه قصص الابنودي وتجاربه المليئة بالمفارقات والنجاحات والمواقف.

يقول: “الشعر أنقذني من السجن المدني ولكن زجّ بي بالسجن السياسي”.

كتب القصيدة والأغنية وسيناريو الأفلام والمسلسلات. من دواوينه الشعرية نذكر: “الأرض والعيال (1964-1975 و1985) و”الرحمة” (1967- 1976-1985) و”عماليات” (1968) و”جوابات حراجي القط” (1969- 1977 و1985) و”الفصول” (1970-1985) و”أحمد سماعين” (1972-1985). و”أنا والناس” (1979) و”بعد التحية والسلام” (1975)، “وجوه على الشط”  (1975 – 1978) (قصيدة طويلة)، “المشروع والممنوع” (1979 – 1985)، “المد والجزر” (1981) قصيدة طويلة، “الأحزان العادية” (1981)، “السيرة الهلالية” (1978)، “الموت على الأسفلت” (1988 – 1995) قصيدة طويلة، “سيرة بني هلال” خمسة أجزاء (1988-1991)، “الاستعمار العربي” (1991 – 1992). وحققت دواوينه شهرة ونجاحاً وترجمت إلى عدة لغات وطبعت أكثر من مرة.

 

أما أعماله المغنّاة فهي كثيرة فقد كتب للكبار ومنهم عبد الحليم حافظ وخاصةً “عدّى النهار” التي استنهضت الهمّة القومية بعد حرب 1967. وفيها: “وبلدنا ع الترعة بتغسل شعرها/ جانا نهار مقدرش يدفع مهرها/ أبداً بلدنا ليل نهار/ بتحب موّال النهار”.

ولهذه الأغنية قصة فقد سأله عبد الحليم أن يكتب له أغنية وطنية بعد حرب 1967 فأجاب: “عندي أغنية كتبها من خمس سنين”. فلما قرأها عبد الحليم قال: “إزّاي عرفت إننا سنهزم”. أجابه: “مقدمات النظام متطابق مع نتائجه”. فطلب إليه عبد الحليم أن يقول “انه كتبها على اثر الهزيمة والباقي عليه”.

خطفه عبد الحليم مرة ليكتب له أغنية “أنا كل ما أقول التوبة”. ومنها “الرمش اللي مسهرني يا بوي/ ضيعني وأنا كان مالي يا عين”. وسجنه في بيته مرة ليكتب “أحضان الحبايب” وفي الاغنيتين أبدع وتجلّى. وكتب لعبد الحليم “المسيح” و”أحلف بسماها وترابها” (وكان عبد الحليم يفتتح فيها حفلاته). و”ابنك يقول لك يا بطل”، “أضرب أضرب”، “بالدم”، “بركان الغضب”، “راية العرب”، “يا بلدنا لا تنامي”، “صباح الخير يا سيناء”، “الهوا هوايا” وغيرها…

 

وكتب لمحمد رشدي: “عدوية”، “تحت الشجر يا وهيبة”، “وسع للنور”، “عرباوي”. وفي أغنية عدوية صورة غير مألوفة للغزل الشعري إذ يقول في احد المقاطع: “والله صورتك بتنفع  تزيّن الجرانيل”.

وكتب لفايزة أحمد: “مال عليّ مال”، “يمّا يا هوانا”، “قاعد معاي”.

ولنجاة الصغيرة: “عيون القلب”، و”قصص الحب الجميلة”.

ولشادية: “آه يا اسمر اللون”، وأغاني فيلم “شيء من الخوف”.

واعطى لصباح رائعة: “ساعات ساعات”.

ولوردة الجزائرية: “طبعاً احباب”، “متل النهار ده”.

ولمحمد قنديل: “شباكين على النيل عينيكي”.

ولمحمد منير: “شوكولاته”، “كل الحاجات بتفكرني”، “بره الشبابيك”، “الليلة ديا”، “يونس”، “عزيزة قلبي”، “يا حمار”، “يا رمان”.

ولنجاح سلام: “شيء من الغضب”.

ولماجدة الرومي: “جايي من بيروت”، “بهواكي يا مصر”.

ولمروان خوري: “دواير”.

 

وكتب أغاني العديد من تيترات المسلسلات مثل “النديم” و”ذئاب الجبل”، وكتب حوار فيلم “شيء من الخوف”، وحوار فيلم” الطوق والإسورة”، وكتب أغاني فيلم “البريء” وقدّم شخصيته الفنان محمود البزاوي في مسلسل “العندليب”، “حكاية شعب”. كتب غيرة مرة “وطنك يا صاحبي كان زمان/ واللي احنا فيه”، “زمن العفاريت”، “السمان”. وأيضاً: “الأرض مش أرضي، ولا العيال ولادي، امّال كده مالي، شايل همها لوحدي”. وكان يرفض دائماً محاولات السلام المزيفة في الصراع العربي – الإسرائيلي ويكتب: “ملعون ابوها الحمامة أم غصن زيتون/ معمولة لأجل الضحايا يصدقوا الجلاد”.

اصيب عبد الرحمن الأبنودي بذات الرئة واختار أن يعيش في القرية حيث الأشجار التي يعرف تاريخها والناس الذين يعرفهم ويدخل إلى قلوبهم بعفويته ولهجته الصعيدية المحبّبة.

توفي عبد الرحمن الأبنودي في 21 نيسان 2015 وظلّ يبتسم ويجيب على أسئلة الصحافة والإعلام حتى آخر أيامه.

حاز الابنودي على جائزة الدولة التقديرية عام 2001 وكان أول شاعر بالعامية يقوز بهذه الجائزة المرموقة. كما فاز بجائزة محمود درويش للإبداع العربي للعام 2014.

عبد الرحمن الأبنودي شاعر اصيل ترك بصمة انسانية عمیقة في شعره وفي ذاكرة مصر والعالم العربي.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *