قدسيّة الحياة

Views: 642

لميا أ. و. الدويهي

 

«حينَ تَتوقُ روحٌ إلى أخرى، تَعبرُ الجَسد وتلجُ المَسام، تخترقُ الأنفاس، تتمازجُ بالآخر ويَغدو الكيانانِ كيانًا واحدًا، لا اثنَين»…

غالبًا ما تحدثُ المُغالطاتِ في المشاعِر عندما يكونُ الإنسانُ غافلًا عن أعماقِهِ – وكم بالحَريِّ عن أعماقِ الآخر؟…- وغيرَ مُتصالحٍ معَ ذاتِهِ، لا يفهمُ تركيبتَهُ الخاصَّة ولا رغباتِهِ التي تدفعُهُ باتِّجاهاتٍ خاطئة، فيها مشاعر مؤقَّتة، تنتهي عندما ترتوي بطريقةٍ عَبثيَّة تَغلبُ عليها اللذَّة التي لا تنفكُّ تنتهي حتَّى تمضي لتبحثَ عن شرارتِها في مكانٍ آخر…

مُطاردةُ اللذَّات هذه من مكانٍ إلى مكان، من فردٍ إلى آخر، تزيدُ الهُوَّة بين الذاتَين القابعَتَين في نفسِ الإنسان الواحد، فتتخالطُ الأمور ويُصبحُ تفريقُ الحاجةِ عن الشعور بالانتماء للآخر مُحالًا…

دائمًا في العودة إلى الأعماق، إلى البداياتِ وحتَّى إلى الماضي، أجوبةٌ لتراكُماتٍ تَحدثُ وتتفاعلُ وتكونُ السَّبب والمُسبِّب في كُلِّ مُجرياتِ حياةِ الإنسان… أحيانًا يتوصَّلُ الإنسان إلى فَهمِ ردودِ فعلِه وانفعالاتِهِ وتَفاعُلاتِهِ، لكنَّهُ ليسَ دائمًا هو بقادرٍ على لجمِها، فيندفعُ نتيجةً لها إلى تصرُّفاتٍ ومواقف لا يكونُ دومًا راضيًا عنها، ولكن ما قد يُريحُه أنَّهُ باتَ هو يفهمها، يعرفُ مصدرَها وقادرٌ على امتِصاصِها وجعل الآخر يستوعبها ويقبلُها، إن كانَ للمودَّةِ والمحبَّةِ مكانًا بينهما، ففي النِّهاية هذه التَّفاعلات والطرق في التَّصرف نقومُ بها مع الآخرين وأمامِهم…

دائمًا تُحرِّكُني «القُدسيَّة»، قُدسيَّةُ الأماكن، قُدسيَّةُ الأشخاص والعلاقات، قُدسيَّةُ الحياة والمخلوقات… وأُؤمِنُ بأنَّ الإنسانَ قادرٌ على بُلوغِ هذه القُدسيَّة في حياتِه وأهدافِه وأساليبِه، في صداقاتِهِ، في عَمَلِهِ، في عِشقِه، في زواجِهِ، في عائلتِهِ… نستطيعُ التَّعبير عن كُلِّ ما يُخالِجُنا، والبوحَ بهِ مع الاحتفاظ الدَّائم بقُدسيَّتِه لو أردنا ذلك، والتي هي أيضًا تختلفُ من شخصٍ لآخر ومن ثُنائيٍّ لآخر… الفرادةُ هي التي تتقدَّمُ الأشياء، إلَّا أنَّ الاحترامَ والتَّفاعلَ والعملَ على الاحتفاظِ بجماليَّةِ العلاقات، أمرٌ يَطالُ الجميع وحقٌّ للجميع…

هذه القُدسيَّة التي أتحدَّثُ عنها، قد لا نبلُغها إلَّا بعد مُعاناة وربَّما انحرافاتٍ وحتَّى «تدنيس»… ففي هذه الحالات وحدها الرُّوح النقيَّة تعرفُ كيف تستردُّ جمالَها ونقاءَها الأوَّل… وحينَ يشعرُ الإنسانُ بقيمتِهِ يستطيعَ أن يتحوَّلَ من أدنى درجاتِ القَباحة إلى أسمَى درجاتِ القداسة…

يبقى للإنسانِ الخيار في كيفَ يُريدُ لحياتِهِ أن تكون، وهل الشَّريك يتوافقُ معهُ ويودُّ بلوغ هذه الدَّرَجاتِ السُّمية بمعيَّتِهِ، أم أنَّ التَّهوانَ، حتَّى في أروعِ ما قد يبلغُهُ الإنسان في ذاتِهِ، هو سيِّدُ الموقف؟…

في العلاقات، مهما كانَ نوعُها، ثقافةُ الإنسان، فِكرُه، أخلاقيَّاته، كلماته… كُلّ كيانِهِ يكونُ حاضِرًا في صُغرياتِ الأمور… حُضورُه، أسلوبه، طريقته… كلُّ هذه الأشياء تنعكِسُ على مُحيَّاه، قبلَ حتَّى أن يتكلَّمَ أو يتصرَّف، فهي زِبدةُ حَصيلةِ كُلّ ما اختبرَهُ ويَختبرُه ويبني ذاتَه على أساسِهِ؛ كما وأنَّ كُلَّ تاريخِه أيضًا مُجتمعٌ فيه، في ذاتِهِ دونَ سِواه…

أفلا تكونُ هذه الحياةُ جَديرةً بأن تُعاشَ بما يليقُ بها وبما يُقدِّسُها؟…

قد يعترضُ البعض على أنَّ هناكَ مَن قد يُسبِّبُ الأذيَّة ويُعيقُ تقدُّمِ هذه «القُدسيَّة»، إلَّا أنَّ الإصرار والإرادة في تحقيق الذَّات المَوهوبة بـ«حُبٍّ» وقيمة من علياء، تستحقُّ منَّا أن نرفعَ الجِباه ونَمضي قُدمًا في الحياة… فهذا دَينٌ لنا على أنفُسِنا…

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *