الحجّ إلى مونيخ (3) سجن ماقبل الفيريس
محمّد خريّف*
كنّا ونحن نتأهّب للسفر نسمع بفيريس الكورونا دون أن نراه ولم يكن هو بالمعيدي على إيقاع المثل، فلمْ نُو لِه في البدْء اهتماما كبيرا،لذلك قلنا فلنسافر وخلها على الله ،ونحن ندّعي المغامرة مغامرة السّفر إلى أوروبا كما فعلنا في بداية التمانينات، حيث كانت وجهتنا بيريقور الفرنسيّة عبر جنوة الايطالية فجمعنا،آنذاك، بين متعة السفر بالباخرة والقطار فالطائرة،لكن في هذه المرّة لم تكن نشوة التذكر بمنأى عن الشعور بكدر التخوّف من خطر الآتي من بعيد، وان لم نتوقّع أنّ للفيريس سجونا تمنع زائر مونيخ من القيام بطقوس التطهّر من أدران الأراجيف بالتأمّل والتفكير لا بالاغتسال والتيمم والعوذ من الشيطان ولارجيم خارج اللسان،فقلنا دعنا من رواية الأوهام ولننعم بنعيم الجنان جنان الأرض ترويها السواقي والبحيرات والهضاب تخترقها الأنهار وهي لا تضنّ عليها بالاخضرار متعدّد الألوان.
كنا هكذا كما قلت نسمع بالفيريس ولا نراه، ولا نحبّ أن نراه، وظلم ذوي القربى من أهل الملة أشدّ مضاضة على النفس العطشى من وقع ناب الكورونا المفلّل :هناك هنا يجفل الإنسان من الإنسان ولا يجفل الحيوان من الحيوان ولا يجفل الحيوان من الإنسان ، ومن تجنّب الجماعة تجنّبه الموت وسلمت جثته من الحرق أو الدفن في الظلام ؟وإذا بحجّنا حجّ تفرقة لا اجتماع لنا ولا صلوات جمعة لناولاآذان لخمس فلا ابتهالات ولا طواف بكعبة ولا رمي شيطان بحجر ، حجّنا مشي في الشوارع والأسواق والمنتزهات متباعدين متنافرين، متحبين، نرد التحية بالتحية، وقد يخلو الواحد منا وقد لايخرج عن ملتنا إلى طبيعة هادئة أو كتاب تغريه فسحة ذوبان صوفيّفي بهجةالمكان ولاعبادة في معبد ضفة النهر في أولمبيا بارك حيث المسرح في الهواء الطلق ويؤمّ مدارجه جمهور من كافة الأعمار هذا يسمع الموسيقى على إيقاعها الرومنسيّ وهذا يراقص فتاته و تراقصه ،وعلى ضفاف النهر تشرئبّ أعناق الإوزّ للتلاطف مناقيرها الزّوّار ولعلّها تلتهم ما تجود به الأيادي فتقتات ولاصدقة بأجر،وقد لا يبقى على الضفة سوى بصمات النحت على الحجر حيث أسماء المشاهير من نجوم الفن و الرياضة تخبر الغادين والرائحين عمّن مروا من هنا ذات صباح أومساء..؟
ويشتدّ بالمرء عابر السبيل مثلي ألم لذيذ بل أرق خوف ينسي من سجن الفيريس ولا سجن هنا في بلد المدر والحضر على طريقة أهل البدو من سكان الوبر، وصرت لا كما يصير حاجّ يطوف بل أسوح مع البصر ينساب، أتحيّن فرص نشوة تمنحني إيّاها فسح التأمل لا الطّواف مغتنما من سهوي ماأسرقه بالنظرمن لذة السّوّح بناظري في جنان خلد أرضيّة لاسماويّة وألوان السماء من ألوان الأرض…هكذاتمنحني مشاهد الطبيعة هنا الآن في حدائق مونيخ الغناء مالم لم يمنحني إيّاه كتاب أقرأه على انفراد في مغارتي ببئر السواني,انا الحلوفة لمّا أفهم كيف كان السيف أصدق أنباء من الكتب وهل أفهم وكيف أفهم وأنا السائل أسرار الأرض في مونيخ وعلاقتها بالفلسفة ؟ في شوارع مونيخ وحدائقها ومبانيها يستحيل فيها نعيق الغربان شدو عصافير ولا هو بمنكر ولا نكير لطالع شؤم يأتيه بوم دون بشر ويغدو بمهجتي سواد الغراب ورديّا ولا ذنب للسّواد لولا أياد ترفع راياته دون رايات” لكن ليس هنا الآن وتلك نعمة من نعم حج لم يكن في الحسبان ؟ وأنا الهارب من جبة حجي.
لمّا أسلم من تابعة تلحقها بي امرأة تونسية في حافلة ركاب ولاشيء يميزني أنا و الرفيقة عن سائر البشر سواء أكانو من الجرمان في بافاريا أو من البربر فسي شمال افريقيا ؟؟
( يتبع …)
***
*كاتب من تونس- مونيخ- مارس/ أفريل 2020