الحلقة الثامنة والثلاثون من رواية “بَحر” لـ كابي دعبول
*”للصخور أسماء في الضيعة التي أبصرت فيها النور” (أمين معلوف-كتاب “صخرة طانيوس”)
يجلس حنا على صخرته المرتفعة فوق مياه البحر. يتأمّل الشاطئ الصخري وتراكض الأمواج باتجاه الشاطئ. يفرح، يحزن، يبتسم، يبكي، ناظرًا الى الأفق البعيد، يشكو همومه الى البحر، طالبًا منه الإتيان بأمل جديد يطفو على أمواجه المتراكضة نحوه. حتى بات لحنا مع صخرته عشرة وطول رفقة أمّنتا له ملاذًا آمنًا لمراجعة الذات والتأمّل. إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء، غير أن صخرة حنا تبقى الاستعارة الحقيقية الوحيدة الراسخة في هذه الرواية، إذ كم من أمكنة تركنا فيها شيئًا من ذاتنا، مهما ابتعدنا عنها تبقى الملاذ الوحيد لذكرياتنا بحلوها ومرّها…
كابي
(٣٨)
ما أقلق حنا ذات يوم اتصال هاتفي جاءه من القرية. كانت أمّ بحر على الخط تستفسر عن أوضاع الأب والابن معًا.
-باتت تحاصرني الوحدة يا حنا والدار التي كانت مليئة بكما أصبحت شبه فارغة وأنتما بعيدان عني.
-اتّكلي على الله يا أمّ بحر فالولد يصنع مستقبله الذي خطّطنا له منذ ولادته. ألم نضحّي بالغاليوالنفيس من أجل تعليمه؟ فأنا مضطر على البقاء هنا طالما استطعت العمل.
-عقلي يتفهم ذلك يا حنا ولكن قلبي ينفطر على غيابكما. “انتِبِهْ على بحر” يا حنا وأتوق الى لقائكمافي عطلة نهاية الاسبوع.
أقفلَ حنا سماعة الهاتف غير أنه سمع نغمةً غريبة في صوت زوجته. فبعد أن كانت المشجّعة الأولىعلى هذه الرحلة الطويلة باتت تتذمّر مما يجري، وأيقن أن في الأمر معضلة ما، لم تفصح عنها أمبحر خلال الاتصال.
في عطلة نهاية الاسبوع علم حنا من سكان القرية أن شجارًا وقع بين مجموعتين من أبنائها، وعنداستفساره عن السبب أخبروه بأن الخلاف كان سببه السياسة.
تذكّر حنا كلام الاستاذ رفيق عن الاجواء السياسية الملبّدة في البلاد، فهو بات يعلم من رفيق أن الايامالمقبلة قد تخبّئ للناس مفاجآت غير سارة.
في مساء ذلك السبت راح حنا يحدّث بحرًا عن التركيز على دروسه، وعدم الالتفات الى ما يدور من حولهوالمواظبة على حضور المحاضرات.
-أستحلفك بالله أن لا تتدخّل في السياسة يا ولدي.
(يتبع غدًا)
***
*إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء.
