الفلسفة المعادلاتية وتحليل اللغة

Views: 424

حسن عجمي

بالنسبة إلى الفلسفة المعادلاتية، اللغة معادلة رياضية مفادها التالي: اللغة = كل المعلومات الممكنة ÷ المعلومات المستحيلة. تنجح معادلة اللغة في التعبير عن الخصائص الأساسية للغة كإمكانية أن تتغيّر اللغة وتتطوّر وامتلاك اللغة لقواعد ما يشير إلى مقبولية معادلة اللغة وصدقها.

إن كانت اللغة = كل المعلومات الممكنة ÷ المعلومات المستحيلة، إذن اللغة تتضمن القواعد بالضرورة لأنَّ القواعد معلومات حيال كيفية تركيب الجُمَل وصياغتها. بكلامٍ آخر، بما أنَّ اللغة = كل المعلومات الممكنة ÷ المعلومات المستحيلة، وعلماً بأنَّ القواعد قوانين متكوِّنة من معلومات تُحدِّد كيفية بناء الجُمَل لتصبح ذات معان ٍ وبذلك القواعد معلومات حيال كيفية تكوين الجُمَل، إذن اللغة تتضمن القواعد بالضرورة. هكذا تنجح معادلة اللغة في تفسير لماذا اللغات تمتلك قواعد بالضرورة. وهذا النجاح دليل على صدق معادلة اللغة وتفوّقها المعرفي.

بالإضافة إلى ذلك، بما أنَّ اللغة = كل المعلومات الممكنة ÷ المعلومات المستحيلة، إذن من المتوقع أن تكون اللغة متكوِّنة من معلومات كأن تكون معلومات متوارثة تماماً كما هي بالضبط. من هنا، تنجح معادلة اللغة في تفسير لماذا اللغة مجموعة معلومات متوارثة ما يعزِّز صدقها. فمثلاً، اللغة العربية معلومات متوارثة كمعلومة أنَّ العائلة هي التي تُعال (لاشتقاق “العائلة” من “عالَ”) ومعلومة أنَّ المعرفة كامنة في العُرْف (لاشتقاق “المعرفة” من “العُرْف”). تتعدّد الأمثلة وتكاد لا تنتهي. فاللغة العربية تحتوي على معلومات متوارثة عديدة ومتنوّعة منها أيضاً معلومة أنَّ الأسرة هي التي تأسرك كأن تأسرك بواجبات معيّنة (لاشتقاق “الأسرة” من “أسَرَ”) ومعلومة أنَّ الكون هو الذي كان ويكون وسيكون (لاشتقاق “الكون” من “كان” و”يكون” و”سيكون”) ومعلومة أنَّ العالَم هو معلومات (لاشتقاق “العالَم” و”المعلومات” من الجذر نفسه ألا وهو ع-ل-م). هكذا اللغة العربية مجموعة معلومات متوارثة وهذا متوقع لأنَّ اللغة = كل المعلومات الممكنة ÷ المعلومات المستحيلة.

ظاهرة مستقبلية

من المنطلق نفسه، بما أنَّ اللغة = كل المعلومات الممكنة ÷ المعلومات المستحيلة، إذن من الطبيعي أيضاً أن تكون اللغة متكوِّنة من معلومات من الممكن اكتشافها أو تكوينها في المستقبل. وبذلك اللغة ظاهرة مستقبلية تتشكّل في المستقبل على ضوء ما نكتشف ونبني من معلومات ما يضمن أن تتغيّر اللغات وتتطوّر بتغيّر وتطوّر المعلومات. بكلامٍ آخر، بما أنَّ اللغة = كل المعلومات الممكنة ÷ المعلومات المستحيلة وبذلك اللغات معلومات، وعلماً بأنَّ المعلومات عرضة للتغيّر والتطوّر أو التخلّف، إذن اللغات عرضة للتغيّر والتطوّر أو التخلّف. من هنا، تنجح معادلة اللغة في التعبير عن إمكانية تغيّر اللغات وتطوّرها أو تخلّفها وتفسِّر لماذا تتغيّر اللغات فتتطوّر أو تتخلّف ما يدعم صدق معادلة اللغة على أساس امتلاكها لهذه القدرات التعبيرية والتفسيرية الأساسية. فاللغات تتغيّر وتتطوّر أو تتخلّف لأنها كل المعلومات الممكنة والمعلومات بطبيعتها قادرة على التغيّر والتطوّر باكتشاف أو بناء معلومات جديدة وقابلة للتخلّف بعدم اكتشاف أو بناء معلومات جديدة. مثل ذلك حين اكتشف أينشتاين معلومة جديدة مفادها أنَّ الزمان والمكان يشكّلان بُعداً واحداً بنى حينئذٍ مصطلح “الزمكان” (الدال على وحدة الزمان والمكان) ما أدى إلى تغيّر اللغة وتطوّرها من خلال إضافة هذا المصطلح الجديد الدال على معلومة علمية قيّمة.

معادلة اللغة تتضمن أيضاً أنَّ اللغات من صناعة البشر ونتائج البيئة الطبيعية والثقافية. فبما أنَّ اللغة = كل المعلومات الممكنة ÷ المعلومات المستحيلة وبذلك اللغات تتكوّن على ضوء المعلومات، والمعلومات موجودة في عقول البشر وسلوكياتهم كما هي موجودة في البيئة الطبيعية المحيطة بالبشر وفي بيئتهم الثقافية، إذن اللغات نتائج البشر وبيئتهم الطبيعية والثقافية. هكذا تنجح معادلة اللغة في التعبير عن كيفية تكوين اللغات على ضوء عقول وسلوكيات مستخدميها وعلى أساس ثقافتهم وبيئتهم الطبيعية ما يشير إلى المقدرة التعبيرية الناجحة لمعادلة اللغة فيؤكِّد على تفوّقها المعرفي.

اللغة هي الدالة على معان ٍ. لكن إن كانت اللغة = كل المعلومات الممكنة ÷ المعلومات المستحيلة، والمعلومات حاوية على معان ٍ (وإلا لم تكن معلومات)، إذن اللغة حاوية على معان ٍ فدالة عليها. هكذا تنجح معادلة اللغة في التعبير عن أنَّ اللغة دالة على معان ٍ. واللغة متكوِّنة من جُمَل وكلمات وحروف وأصوات أو صُوَر وأصوات (كاللغة الهيروغليفية). لكن إن كانت اللغة = كل المعلومات الممكنة ÷ المعلومات المستحيلة، والجُمَل (وما تحتوي من كلمات وحروف وما تتضمن من أصوات) والصُوَر حاوية على معلومات بفضلها تصبح مالكة لمعان ٍ، إذن اللغة تتكوّن من جُمَل وكلمات وحروف وأصوات أو صُوَر وأصوات. هكذا تنجح معادلة اللغة في التعبير عن أنَّ اللغة تتكوّن من جُمَل وكلمات وحروف وأصوات أو صُوَر وأصوات.

وسيلة تواصل

اللغة أيضاً وسيلة تواصل. وإن كانت اللغة = كل المعلومات الممكنة ÷ المعلومات المستحيلة وبذلك اللغة معلومات، وعلماً بأنَّ التواصل تبادل للمعلومات، إذن التواصل تبادل لغوي وبذلك التواصل يستلزم اللغة ما يدلّ على أنَّ اللغة أداة تواصل. من هنا، تنجح معادلة اللغة في التعبير عن أنَّ اللغة وسيلة تواصل. وكل هذه النجاحات دلالة على صدق معادلة اللغة ومقبوليتها. وبما أنَّ اللغة = كل المعلومات الممكنة ÷ المعلومات المستحيلة، والوقائع والحقائق والممكنات والاحتمالات والمستحيلات حاوية على معلومات (بفضلها تصبح معروفة لدينا وإلا كان من المستحيل معرفتها)، إذن اللغة دالة على الوقائع والحقائق وعلى ما هو ممكن ومحتمل ومستحيل. هكذا تنجح معادلة اللغة أيضاً في التعبير عن هذه الحقيقة اللغوية ما يعزِّز مصداقيتها.

بالإضافة إلى ذلك، يوجد نموذجان فلسفيان أساسيان حيال تحليل اللغة. يعتبر النموذج الأول أنَّ اللغة نظام مجرّد دال على المعاني بينما يصرّ النموذج الثاني على أنَّ اللغة ليست مجرّدة بل اللغة جُمَل مركَّبة من كلمات وحروف. لكن تنجح معادلة اللغة في التوحيد بين هذيْن النموذجيْن المتنافسيْن. فبما أنَّ اللغة = كل المعلومات الممكنة ÷ المعلومات المستحيلة، والمعلومات مجرّدة لكونها معلومات بدلاً من مواد أو موجودات مادية (فالمعلومة ذاتها قد تتجسّد في رسائل مادية مختلفة كتجسّدها في لغات مختلفة ما يدلّ على اختلاف المعلومة عن تجسّداتها فيشير إلى مجرّدية المعلومة) والمعلومات دالة على معان ٍ (وإلا لم تكن معلومات)، إذن اللغة مجرّدة ودالة على معان ٍ تماماً كما يقول النموذج الفلسفي الأول.

من جهة أخرى، كما رأينا سابقاً معادلة اللغة تتضمن أنَّ اللغة جُمَل وكلمات وحروف. فبما أنَّ اللغة = كل المعلومات الممكنة ÷ المعلومات المستحيلة، والجُمَل وبذلك أيضاً ما تحتوي الجُمَل من كلمات وحروف حاملة لمعلومات (وإلا لم تكن ذات معانٍ)، إذن اللغة جُمَل وكلمات وحروف تماماً كما يؤكِّد النموذج الفلسفي الثاني. من هنا، تتضمن معادلة اللغة النموذجيْن الفلسفيين السابقين والمتنافسين. وبذلك توحِّد معادلة اللغة بين هذيْن النموذجيْن فتحلّ الخلاف بينهما ما يجعلها تكتسب هذه الفضيلة الكبرى. اللغة مجرّدة من حيثية أنها معلومات فالمعلومات مجرّدة. واللغة غير مجرّدة من حيثية أنها جُمَل وكلمات وحروف قابلة للدلالة على معلومات ومعان ٍ. هكذا يتفق النموذجان الفلسفيان السابقان ويتحدان في معادلة اللغة التي تعرِّف اللغة على أنها معلومات ممكنة الصدق إن لم تكن معلومات صادقة.

قدرة تنبؤية

كما تملك معادلة اللغة قدرة تنبؤية ناجحة ما يدعم صدقها. فمثلاً، بما أنَّ اللغة = كل المعلومات الممكنة ÷ المعلومات المستحيلة، إذن لا توجد لغة بمعلومات مستحيلة كمعلومة أنَّ العدد خمسة متزوج. وبذلك تتنبأ معادلة اللغة بعدم وجود لغات بمعلومات مستحيلة. وبالفعل حين نستخدم أية لغة نتجنب استخدام عبارات ذات معلومات مستحيلة فلا ننطق بها كعدم نطقنا بعبارة أنَّ العدد خمسة متزوج. هكذا تصدق معادلة اللغة في نبوءة أنَّ اللغات تخلو من معلومات مستحيلة أو تتناقص فيها المعلومات المستحيلة. ومثل تنبؤي آخر هو التالي : بما أنَّ اللغة = كل المعلومات الممكنة ÷ المعلومات المستحيلة، إذن من المستحيل وجود لغة بلا معلومات ممكنة. من هنا، تتنبأ معادلة اللغة باستحالة وجود لغة بلا معلومات ممكنة (أي معلومات من الممكن أن تكون صادقة إن لم تكن صادقة بالفعل) فتتنبأ بضرورة أن تكون كل لغة حاوية على معلومات ممكنة تماماً كاللغات التي نعرفها المالكة لمعلومات ممكنة بامتلاكها لمعان ٍ ودلالات. هكذا تتفوّق معادلة اللغة بكونها حائزة على قدرة تنبؤية ناجحة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *