الحَجّ إلى مُونيخ(4) عُمْرة في سُجون ما قبل الفيريس

Views: 459

محمّد خريّف*

 

من شتات السّجون الأخرى

وأسمع كلمة “الحاج”مذ نزلت بأرض مونيخ مرّتين اثنتين : مرة كما صرحت في مطار مونيخ، ومرّة كما لمّحت في الحافلة 50 سمعتها من امرأة تونسيّة، ونحن في طريق العودة من مركب تجاري بمونيخ ولا أدري لمَ أحبّت المرأة أن تُعيد على مسمعي ما لا حاجة لي  بسماعه  قي بلاد البفاريا ،والحال أني قد لا أُشْبه في الخِلقة ,لاأتميّز من حيث لون البشرة ،أنا وأسرتي عن العرب وسائر الناس في مُونيخ فلا علامات فارقة تدل على أنّي حاجّ ولم يصدر مني كلام بكلام الحجّاج ممن يدّعي الورع والتقوى؟ و ولعلي أخلو إلى نفسي متسائلا عن دواعي تكرّر هذه العلامة”الحاجّ” على شفاه التونسيين في الداخل والخارج وعلى امتداد سنوات منذ ما يعرف بثورة 2011 شأنها شأن علامة”السلام وتعوّض صباح الخير أو مساء الخير،وهما من العلامات المسجّلة التي غدت في “وعينا أولا وعينا الجماعي” شفرة شحن عقائديّ أو إيديولوجي، والعلامات كثيرة في مونيخ شوارعَ ومتاجرهي  علامات بصريّة  اشهارية تدرك معناها دون قراءتها أو سماعها والبعض منها يذكّر بالورود والشموع في حزن أليم بحادثة إرهابيّة أو بحادث مرور فظيع جدّ في مفترق طرق… .

 

سجن الخوف عليّ منّي

وتخاف عليّ فلذة كبدي من خطرا لتّجوال على انفراد لحداثة عهدي بمدينة مونيخ ،والمدينة بدت لي آمنة بمسالكها ومعابرها ،فلكلّ من المترجّل وسائق الدّرّاجة وغيرهما من سواق الحافلات والشاحنات فضاؤه الخاصّ به ، فالكل يحترم الجزء والكل والمتحكّم في حركة السير علامات  ولا مهابة إلا ّلصرامة تطبيق القانون على الجميع دون استثناء. 

حفيدي أشْجع منّي؟

لكن وان كانت سلامة المتنبي أشجع منه في كل يوم على ما يّدّعي شاعر الفخر والهجاء  فان حفيدي وهو دليلي في رحلتي كان  أشجع مني  فلا يبالي بخوف ولا هم يحزنون ،كان يعدو متى أراد ويجري متى أراد ويتمرّغ وينهض متى أراد ويضحك متى أراد فلا يصطدم بأحد ولا يزعج أحدا  من المارّة في المتاجر والمنتزهات العاّمة في مونيخ،  مونيخ مسقط رأسه فلا يخاف منها ولا تخاف منه  ..هذا و لم أسْع كالطاهر بن جلّون المرّوكي إلى أن أحكي لحفيدي عن الميز العنصريّ* أو غيره ، بل تركته على سجيّته يعيش في بلد يحترمه وقد لا يميّز بينه وبين أنداده في الروضة والمدرسة والكلية فيكتسب بنفسه وبعد تجربة مراس شخصيّ ما به تتكون شخصيّته المستقبليّة إبداعا لا اتّباعا..

سجن الأحلام

كنت في يقظتي وخلال أيّام الحجّ إلى مُونيخ أحاول في كل لحظة الخلاص ممّا ترسّب في ذهني من أدران الهذر والهوس ممّا تكلّس في الذاكرة والوجدان من أوهام الإتّباع والاقتناع ،وأنا من سلالة أعوذ بالله من شيطان ركوب المخاطر “ومن خاف سلم ومن تهوّر ندم” فقلت هل أركب الخطر فأحجّ على خلاف من حجّ وأعمّرعلى خلاف من عمّر، ومن شارات الاِتّباع دون الإبداع  البكاء على الأطلال ولي في أحلام النّوم وما يسفه أحلام اليقظة ويكذّبها، حيث  تتراءى لي صور ممسوخة لشخوص مشوّهة عن موتى القرية وأحيائها والقرية بعيدة عن أرض مونيخ قصيّة وأحار من صور تتواتروتهيمن على صور دون صور ومشاهد دون مشاهد والمسألة أضغاث أحلام  لاغير ؟

 

سجن الدّعاء والتّكبيروالتّصغير

وكيف يتحرّر حاجّ مثلي ويتطهر من أدران اللغط والسخط متوّجة بابتهالات التكبير والتصغير والتعظيم والتّحقيرفي كل الأوقات تبثها شاشات التلفزة والفيسبوك وسائر الإذاعات الناطقة بالعربية ولا فٌصحى في زمن اللاّ فصاحات ،وولعلّ المهاجرينن الناطقين بلغة الضاد في مونيخ وغيرها ومن بلاد المهجر و بفضل الويفي والباربول يجتمعون حول شاشات التشحيم والتنجيم والشعوذة  والتنفيروالوعيد وقد لا يشاهدون شاشات البلد حيث يقيمون ويشتغلون إمّا بسبب اللغة أو خوفا على الأسرة من اضمحلال الأخلاق ؟

(يتبع…)

***

(*) كاتب من تونس –مونيخ-مارس/ أفريل 2020

 

 

 

 

 

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *