سجلوا عندكم

فيروز وبيروت عِشرة الهوى والأيام والأغاني

Views: 47

سليمان بختي

غنتها واغنتنا مثلما سكنتها وسكنتنا. والقضية هي كيف تجعل من مدينتك اغنية هي سكنى العين والقلب. كم مرة غنت فيروز لبيروت واين، ومن الذي كتب الكلمات وصاغ الالحان. وكم مرة أدمعت في سرها تأثرا وفاض حنينها فكانت دمعة في اخر الابتسامة الخجولة او العكس. فيروز ابنة بيروت مثلما هي ابنة لبنان والشرق.

نشأت فيروز في زقاق البلاط في بيروت. ودرست في مدرسة حوض الولاية في خندق الغميق. وتروي انها كانت تسمع اغاني اسمهان وعبد الوهاب وام كلثوم من راديو الجيران. وشاركت مع فرقة الاخوين فليفل. ثم درست في المعهد الوطني للموسيقى. وصنفت مطربة في كورس الاذاعة اللبنانية: الكائنة في السرايا وفي الصنائع. وعندما تزوجت من عاصي  الرحباني عام 1955 انتقلت الى انطلياس.

 

 كان عاصي يردّد ممازحاً: “أنا في كل لبنان زوجها بس بأنطلياس هي مرت عاصي”. ولكنها عادت الى بيروت مجددا لتسجل الاغاني في الاذاعة  أو تنشدها في الكابيتول (ساحة رياض الصلح) ثم في مسرح قصر البيكاديللي (الحمرا). وكانت تتردد ايضا الى مشغل الخياطة بديعة الاعور في بناية مكرزل خلف المدرسة الكبوشية في الحمرا. ولها صورة  جميلة مع والدتها في ساحة الشهداء 1945. (lakeforestgc.com) وكل هذه المواقع والامكنة مسرحها بيروت. واذا كان صحيحا ان فيروز غنت للمدن فهي غنت لدمشق وبعلبك والقدس ويافا وبيسان وعمان والقاهرة وبغداد وتونس والمغرب والجزائر والامارات وباريس. وهي غنت اكثر من 1500 اغنية (اطال الله في عمرها وعطائها). واللافت في مسيرتها انها لم تترك لبنان ابدا ولا في اصعب مراحل الحرب واقساها.

الاخطل الصغير (بشارة الخوري)

 

 اول اغنية غنتها فيروز لبيروت كانت “بيروت هل ذرفت عيونك دمعة”  من كلمات الاخطل الصغير (بشارة الخوري) وتلحين الاخوين الرحباني وغنتها فيروز في  مهرجان الوفاء ( كانون الاول عام 1962).

وفي القصيدة:

انا من ثراك فهل اضن بادمعي    في حالتيك ومن سمائك ألهم

 فدت المنائر كلهن منارة             هي في فم الدنيا هدى وتبسم

ما جئتها الا هداك معلم               فوق المنابر او شجاك متيم

لهفي عليكِ لكل يوم مصرع          للحق منكِ وكل عيد مأتم

بيروت يا وطن الحضارة والنهى    الحب يبني والجفاء يهدم

الاغنية الثانية وكانت بعنوان “يا مينا الحبايب” وهي من تأليف  وتلحين الاخوين الرحباني وغنتها في العيد الثاني لتلفزيون لبنان والمشرق في سهرة تلفيزيونية في ايار 1964  وفي مطلعها: “يا مينا الحبايب يا بيروت/ يا شط اللي دايب يا بيروت/ يا نجمة بحرية عمتتمرجح ع المية/ يا زهرة الياقوت  يا بيروت” وفي بيت اخر ” هديتك الطفولة اسوارتي الخجولة/ يا زهرة الياقوت يا بيروت/  بحب العمر فيكِ شو بعشق لياليكِ/ ضجيج العتب واللهو”.

وتختمها ان لبيروت حكاية لمن يعرفها: “وحكاية بيروت حكاية الرصيف التعبان بالناس والحيطان/ بالامل العنيد بالسكك الحديد/ باصوات الفرح والهرب بالزمان/ بيروت الشرايع/ منارة اللي ضايع/ يا زهرة الياقوت يا بيروت”.

 

الاغنية الثالثة هي اغنية مشهدية بحرية مع المطرب محمد مرعي والفرقة. وتنهي فيروز المشهد باغنية يا ماريا، ومراكبناع المينا. وهي من مسرحية “ايام فخر الدين” (1966 مهرجانات بعلبك الدولية). اما المقطع الذي يرد فيه ذكر بيروت فحين يغني محمد مرعي عن البضائع والمراكب التي تطلع (من طرابلس من صيدا ومن بيروت).

الاغنية الرابعة جاءت في بداية الفصل الثاني من مسرحية “ناس من ورق” على مسرح قصر البيكاديللي (1972) والمشهد بحري تبدأه فيروز بموال “جينا على الدار لنشوف اللي حبونا/ قالولنا ولفوا وراحوا وفاتونا /وحياة موجك ايام الهوى والصيف/يا بحر بيروت سلم عاللي نسيونا”.

وينتهي المشهد بـ: ” ليش ما جيت جيتينا” ثم “يا مركب الريح” واخيرا” هيلا يا واسع”. ولكن احلى ما في الموال ان فيروز تُقسم بموج بحر بيروت وتوصيه السلام على الذين نسوا بيروت.

 

الاغنية الخامسة جاءت في مشهد “رحيل القوافل” في مسرحية (بترا)  وقدمت عام 1977 و1978 في عمان ودمشق وبيروت قصر البيكاديللي وكازينو لبنان وتقول عن مملكتها “النجمة الوحيدة السهرانة بليل الشرق الحزين” واظنها تقصد بيروت. وتوصي القافلة القاصدة بيروت “يا مين يسلم ع بيروت/ عالبحر الدافي وع شطو بيوت/ بيروت البلد المابيموت”. هنا الكلام الذي يجسد الايمان ببيروت مهما صار. بيروت الحياة التي لا يغلبها موت ولا يقدر عليها.

الاغنية السادسة كانت عام 1979 في مسرح الاولمبيا في باريس. كان عاصي الرحباني يقود الاوركسترا ولكن حين تغني فيروز يذوب ويضيع في صوتها وتضيع الاوركسترا  ويضيع الجمهور. وهي تغني “باريس يا زهرة الحرية” هناك تضمين لبيروت اذ تنشد:” وتتزين صيدا صور وبيروت”. وفي الاغنية عينها دعوة الى التلاقي “على الحق وكرامة الانسان”.

 

الاغنية السابعة وغنتها ايضا في مسرح اولمبيا باريس وعرفت باسم “يا هوى بيروت” او “سكروا الشوارع” . وفيها حنين وشوق وذكرى واسئلة وصرخة ضد اللذين “سكروا الشوارع وعتموا الشارات وزرعوا المدافع”. صرخة ضد الذين صنعوا الحرب والبؤس في بيروت وفي لبنان. تقول الاغنية: “اشتقنا للايام السعيدة/ ايام السهر عالطريق/ عجقة سير ومشاوير بعيدة/ ونتلاقى بالمطعم العتيق/ يا هوى بيروت/ يا هوى الايام/ ارجعي يا بيروت/ بترجع الايام”. عودة بيروت هي في عودة الايام السعيدة. هي بيروت حاملة ايام الفرح والسنونو ونجوم الليل.

الاغنية الثامنة كانت بعنوان “ياقونة شعبية” وهي من كلمات جوزف حرب والحان فيلمون وهبي من شريط بعنوان” ذهب ايلول”  (1980) وفي المطلع الاول: يا قونة شعبية بقلب البيوت يا وطني/ شطك سيف معلق عخصر بيروت”.

جوزف حرب

 

الاغنية التاسعة اسمها “لبيروت”.  غنتها اولا لاذاعة لبنان(1983) فشاعت وانتشرت كثيرا. وقد غناها لاول مرة اسامة حلاق (والشكر موصول الى رمزي خوري على المعلومات). ثم غنتها فيروز واعيد بريقها بعد حادثة “انفجار مرفأ بيروت”  وكانت الاغنية مطابقة لواقع  الحال والكلمات للشاعر جوزف حرب والموسيقي ليواكيم رودريغز وبتوزيع رائع من زياد الرحباني واندرجت في (سي دي) “معرفتي فيك”. وفي هذه الاغنية العاطفة متقدة للمكان  والانسان والمدينة، وفيها:” من قلبي سلام لبيروت/ وقبل للبحر والبيوت”.

 

وفيها سؤال: “هي من روح الشعب خمر/ هي من عرقه خبز وياسمين/ فكيف صار طعمها/ طعم نار ودخان”. الى:” آه عانقيني/ رايتي وحجر الغد وموج سفري/ ازهرت جراح شعبي ازهرت/ دمعة الامهات / انت بيروت لي/ آه عانقيني/”. ويذكر ان هذه الاغتية غناها ايضا عمر كمال وشيرين تهامي وعبير نعمة ونورا بستامي وماريتا حلاني وتيارا وهبة.

وبعد، ثمة  اغنية صنفها منصور الرحباني تحت عنوان “واحات” في كتاب “قصائد مغناة” (الاخوان الرحباني 2007) واهدى الكتاب “الى فيروز قصائد طاربها صوتك فاصبحت شمس الذاكرة”.  هذه الاغنية عنوانها “انا على الدرب” ومطلعها ” حملت بيروت في صوتي وفي نغمي”.

 

كم يقول هذا البيت كل قصة فيروز مع بيروت. قصة الحب. قصتنا نحن في مدينة ذابت فينا وذبنا فيها. وكأننا حين نقول بيروت نقول اسماءنا. نقول ذاتنا المجنحة ونشهر حبنا عاليا لبيروت ونغص بالدمع مع صوتها حين يصدح: ” انت لي، انت لي، آه عانقيني”. هنا المكان الاحلى. هنا الترابات من طيب وشذى وطرب.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *