هو الماضِي!  

Views: 281

 مُورِيس وَدِيع النَجَّار

 

دِيارُ طُفُولَتي، حُبِّي المُقِيمُ،               بِكُلِّ تُرابَةٍ، فِيها، أَهِيمُ

نَذَرتُ الآهَةَ الحَرَّى لِتَبقَى       ـــــــــــ       العُهُودُ، بِحِضنِها، ذِكرَى تَدُومُ

هي الحُبُّ الأَثِيرُ، رَعَى صِبانا،          ومِن عُمرِ الهَوَى، وَصْلٌ حَمِيمُ

مَدارِجُ، كَم لَهَونا في حِماها،             ومَهدٌ دافِئُ المَلقَى، رَؤُومُ

نُصَلِّي كَي يَطُولَ لنا سَناها،             وكي تَبقَى لنا، ذُخْرًا، نَصُومُ!

ويَومًا سَوفَ يَدعُونا إِليها                نَذِيرٌ وَجهُهُ قاسٍ، كَظِيمُ

فَنَأتِي، في حُشُودٍ دامِعاتِ       ـــــــــــ       القُلُوبِ، وعن ثَراها لا نَرِيمُ!

 ***

وأَذكُرُ يَومَ كُنَّا ذاتَ ماضٍ                فَراشًا لَيسَ يُتعِبُها الشَّمِيمُ

رِفاقًا نَستَبِيحُ الأَرضَ، لَهْوًا،               فَكَم زَرْعٌ، إِذا جُزنَا رَمِيمُ

يُدَوِّمُنا العَبِيرُ على الرَّوابي،               فَوَشْيٌ أَخضَرٌ، ونَدًى عَمِيمُ

ونَرقَى السَّفحَ، أَسرابًا خِفافًا،               فَلا كَدَرٌ يَقُضُّ، ولا هُمُومُ

نُجَوِّزُ كُلَّ ما نَهوَى، وحتَّى       ـــــــــــ       المُحَلَّلُ، في سَوانِحِنا، ذَمِيمُ

وأَذكُرُ نَهرَنا كم طابَ فِيهِ       ـــــــــــ        المِراحُ، وصَوتُهُ الشَّاجِي رَخِيمُ

كَثُعبانٍ تَلَوَّى في مَحانِي       ـــــــــــ         السُّفُوحِ، وفي مَهابَتِهِ عَظِيمُ

وحَولَ ضِفافِهِ شَجَراتُ وَعْرٍ                كأَشباحٍ يُجَلِّلُها السَّدِيمُ

ويَأتِي الصَّيفُ، والجَنَّاتُ تَذوِي،            هَدِيرٌ غابَ، وانداحَ الهَشِيمُ

هو “العُصفُورُ”(1) تَخنُقُهُ الأَيادِي،           مَدَى الهَضَباتِ، كَي تُروَى كُرُومُ

فَيَنشُطُ في الشِّتاءِ مَعَ الغَوادِي،             لِيُبعَثَ، عِندَ عَودَتِهِ، الرَّنِيمُ

فَفِي الوادِي نَشِيدُ الطَّيرِ عَذْبٌ،             وفي العالِي غِلالاتٌ غُيُومُ

وفي لُحُفِ الحَفافِي ما تَشَهَّى       ـــــــــــ       صَباحَتَهُ سُلَيمانُ الحَكِيمُ

رُسُومٌ(2) خَطَّها عُمرٌ أَلِيفٌ،                 وكانَ على حَنايانا الرَّقِيمُ

تَعُودُ إِلى زَوايا البالِ أُنسًا،                  وكالأَطيارِ، في الذِّكرَى، تَحُومُ

ذَوَت خُطُواتُنا، وذَوَى صِبانا،               حَنانَ اللهِ(3) تَذوِي يا رُسُومُ…

إِذا شابَ الوَسِيمُ، فَلَن تُعابَ       ـــــــــــ       الوَسامَةُ، والمَشِيبُ، بِهِ، وَسِيمُ

وإِن أَفَلَ النَّهارُ، فَجُلَّنارٌ،                    وأُفْقٌ في غَشاوَتِهِ نُجُومُ

ويَحلُو العَوْدُ، حتَّى في خَيالٍ،               وتَبسِمُ في هَياكِلِها الرُّسُومُ(4)

هو الماضِي، على عَوَزٍ، جَمالٌ             دَفِيءٌ، لا يُماثِلُهُ نَعِيمُ!

أَلا يا مَربَعَ الصَّبَواتِ هَلَّا نَعُودُ،       ـــــــــــ       إِلَيكَ، يَحمِلُنَا النَّسِيمُ

تَداعَى كُلُّ ما فِينا ولكنْ        ـــــــــــ         هَواكَ، بِكُلِّ جارِحَةٍ، مُقِيمُ!

***

(1): هو نَهرُ العُصفُورِ الَّذي يَتَوَقَّفُ جَرَيانُهُ في الصَّيفِ، بَعدَ تَحوِيلِهِ، عَبرَ مَمَرِّهِ، لِرِيِّ المَزرُوعات.

(2): رُسُومُ: صُوَر.

(3): حَنانَ اللهِ: مَعاذَ اللهِ.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *