سيزيف أنا

Views: 542

د. غادة السمروط

 

أتقدّمُ على دربٍ من قِممٍ مُسنّنة، قبّعتي صخرةٌ أخشى سقوطَها. هي صخرةٌ أحملُها على رأسي وفي رأسي، وتكادُ أن تكونَه، ولا تقوى يدايَ على انتزاعِها. تكبرُ كلّما تقدّمتُ، تتدحرجُ فيَّ. حاولتُ مرارًا أن أرميَ بها في وادي الإهمالِ والنّسيان، وأنطلقَ إلى سهلِ الأيّام، أجوبُ فسحاتِه، أتجذّرُ في أحلامِه، لكنّها تعودُ لتقبعَ فيّ، ترسمُني سؤالًا، تبدّدُني حياةً، تكتبُني كلمات!

    هي صخرةٌ توصدُ البابَ. كم مرةٍ لملمتُ قوايَ، ألقيتُ حمليَ أرضًا، ورحتُ أسترقُ منفذًا، علّي أُفلحُ في التّسلّل إليّ، لكنْ ما أكادُ أراني أقتربُ من ذاتي حتّى تعودَ صخرتي، تتشبّثُ بالبابِ وتُحكمُ إغلاقَه ثانيةً!

من أين جاءتني هذه الصّخرةُ ؟ كيف لي أن أحوّلَها إلى ماءٍ، وأنطلقَ في الحياة، لا همّ عندي ولا شقاء؟

     لكن ماذا يحدثُ لو تحوّلتِ الصّخرةُ إلى ماء؟ أمْرٌ ربّما يكونُ أسوأَ ممّا أنا فيه، وربّما قد أراهُ سهلاً أو مُماثلًا. سيكونُ عليَّ أن أهبطَ واديًا وأسبحَ في أثلامٍ من مياه، وقد يفيضُ بيَ الوادي وأتدحرجُ في صخرتي الّتي تكونُ صارت ماءً، وأصبحُ أنا صخرتَها. وقد أكون حملًا ثقيلًا عليها، أثقلَ من حملِها عليَّ. وأُدركُ، حينها، أنّنا نحن الاثنتيْن نشقى، وفي هذا حياتُنا. هي تحملُني وأنا أحملُها، تسيرُ بي وأنا أسيرُ بها: حاملٌ محمولٌ، فاعلٌ مفعولٌ به، أيّةُ معادلةٍ تلك!

  لكنْ لا ! لا أريدُ أن تصبحَ صخرتي ماءً، لا أريدُها أن تسيلَ. أنا ألِفتُها، لا أريدُها أن تسقطَ، فأسقطُ أنا. هي حياتي، مائيَ اليوميّ، هي قلمي.

سيزيف أنا !

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *