«أشتاقُ إليكَ وأنتَ بالقُربِ منِّي»…

Views: 380

لميا أ. و. الدويهي

 

«أشتاقُ إليكَ وأنتَ بالقُربِ منِّي»… حَسِبتُ أنَّ هذا التَّعبير مُبالغٌ فيهِ قليلًا أو أنَّهُ مُجرَّدُ مُصطلحٍ شعريٍّ وإنَّما عميق يُنعشُ الرّوح ويُدغدغُ الفؤاد، ولم أحسب يومًا بأنَّهُ بابٌ قد يُفتحُ على مُعضلاتٍ علائقيَّة تجتاحُ الأزواج والعُشَّاق وغالبًا ما تُؤدِّي إلى شرخٍ وأحيانًا إلى انفصال إن لم يُجِد الثُّنائي استعمالَ البوصلة التي يرتكزُ عليها للاستمرار…

«أشتاقُ إليكَ وأنتَ بالقُربِ منِّي»… إِحساسٌ قد ينبعُ نتيجةَ إهمال وعدم تواصلٍ بين الأحبَّة… حين يُصبحُ الحديثُ بينهم حِكرًا على الإصباحِ والإمساء وكيفَك/كيفِك؟ كيف كان نهارُكَ/نهارِكَ… عُموميَّات خارجة عن مَألوف المُقرَّبين… تُلهينا أمورٌ من حَولنا، تدفعُنا إلى اكتشافاتٍ سطحيَّة تُثيرُ اهتمامَنا لفترات، تستنفذُ طاقاتنا، قد تُحدِثُ تغييراتٍ في داخِلنا، فتجعلُنا نعتنقَ عاداتٍ لا تتوافقُ مع شَخصِنا وهويَّتِنا… تدفعُ بالآخر إلى أَمكنة تُصنِّفُهُ بالغريب عن مَدارِنا ومُجتمَعِنا وأولويَّاتِنا، فنرميهِ أحيانًا في دائرةِ الذِّكريات ليبحثَ عمَّا يَفتقدِهُ، بإنعاشِ لحظاتٍ مَضت ولكنَّها كانت أساسًا لحاضِر وجبَ أن ينموَ ويستمرَّ كما بدأ ولو بطريقةٍ مُختلفة، فالحُبُّ يتحوَّلُ حين يَنضُج ويأخُذُ وجوهًا تُشبهُ المرحلة التي يعبرُ فيها الثُّنائي…

حين يتلهَّفُ هذا الآخر لكلمةٍ مِنَّا، ليَرتوي من حُضورِنا وينتَعشُ من وَقعِ صوتِنا في أعماقِهِ، نوليهِ اهتمامًا سَطحيًا لأنَّنا غارقون في حساباتٍ مُختلفة أو حتَّى في البحثِ عن عطرٍ مُختلفٍ يُدغدِغُ «غريزَتَنا»… أو ربَّما فقط تناسَينا هذا الآخر لأنَّ الاهتمامَ بهِ يأخُذُ من وقتِنا أو لأنَّهُ «يعرفُ مكانته» فلا حاجة للتِّكرار- عِلمًا أنَّ هذا «التِّكرار» وجبَ أن يكون حاجة لدى الطَّرفين، فعندما نُحب، نحتاجُ أن نُعبِّر والآخر يحتاجُ أن يرتويَ من وقع كلام الحُبِّ الصَّادق الذي يجمعُ القلوب ويوحِّدُها- أو لأنَّنا نلجُ في رحلاتِ اكتشافاتِنا إن العمليَّة وإن الحياتيَّة لوحدنا، تاركينَ إيَّاهُ على الضِفَّةِ الأخرى من حياتِنا يُلوِّحُ لنا لنلتفتَ صَوبَه بابتسامة، بنظرة، بكلمة، منبعها القلب والعاطفة التي وجبَ أن يكونَ مُحرِّكُها هذا الذي في البدء جمَعنا، لنكونَ في الحبّ واحدًا، في المُشاركة واحدًا، في التَّفاعلِ واحدًا، في الإنسجامِ والتَّكامُلِ والتَّفاهُمِ… واحدًا…

أحيانًا نستيقظُ لنجدَ أنَّ الاخر قد أصبحَ في طَيِّ النِّسيان وكأنَّهُ لم يكُن يومًا مِحورًا أساسيًّا في حياتِنا ونُصبحُ كالغُرباء… فنلتفِتَ إليه ونتساءَل عن هويَّتِه ومكانتِهِ في حياتِنا… وكأنَّنا رسمنا له صورةً ما في ذهنِنا، سقطت مع الوقت وبقي هو مُجرَّدًا من إطارٍ وضعناهُ فيه لا يمتُّ له بصلةٍ منذُ الأساس…

وأحيانًا تختلفُ المَوجة ويبقى الحبيبُ حبيبًا وتبقى المشاعرُ الدَّافئة هنا… ولكنَّ الموجةَ بينهما تكونُ غيرَ مُؤاتية، فيشتاق الحبيب لمَن هو بالقُربِ منه، ويعطشُ للارتواءِ من حُضورِهِ، فُيناديهِ بصمتِ الحُب ويُناجيهِ بعُمقِ الرُّوح حيثُ سُكنى وَجدِهما واتِّحادُ ذاتَيهما…

بقليلٍ من الصَّبر، ومُناجاةِ الرُّوح ولفتِ النَّظر باللغة الخاصَّةِ بكُلِّ ثنائي التي أَوجدها الحُبُّ بينهما، لهما وحدهما، تعودُ المياهُ إلى مجاريها ويتأجَّجُ الحُبِ على لهيبِ الشَّوق ويفيض، فيدخلُ العشَّاق بمرحلةٍ قد تكونُ جديدة ومُختلفة وإنَّما تُشبهُهما، تعكسُ حقيقةَ مشاعرِهما وتجعلُ الحبَّ يستمرُّ بينهما ليكتملَ ويبلغَ ذروتهُ في وجودِهما المخلوقِ لهما وحدهما كثُنائي…

 

 ٢٨/ ١٠/ ٢٠٢٠

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *