سَمْح الضّيافة وسبائك الذّهب!   

Views: 902

 جوزف مهنَّا

(خاطرة من وحي قصيدة الدكتورة يُسرى البيطار «أزرار»)

تلمّتْ، وتنمنمتْ، وتكوّرتْ في حُقِّ طيب! تنتهجُ في الشّعرِ مَنْهَجَ المتقدّمينَ، فلا يُضارِعُها مضارعٌ إذا خرجتْ تَطوي سباسِبَهُ، وتظعَنُ في مفاوِزه. فثالوثيّتُها البيانيّة: الكلمةُ، والجِدَّةُ، وسِحرُ القافيةِ، ليس في لُسْنِها حُبْسة.. مَوّارةُ الحِصادِ تضِجُّ بالأقمارِ والرَّياحين!

مِجوادةُ نَقْشٍ وتصويرٍ، تُذاهِنُكَ وتُفاطِنُكَ ماسًا عَيْنًا، ذَرَأَ(1) الرّبيعُ في أكمامِها وبوانِيْها كلّ طقوسِهِ واستراح.

مِئراجُ الدَّوحِ، شحيمةُ الجَنْي. على عَذَباتِ أغصانِها، تأذّنَ نُحّاةُ الطّيْرِ وثِقاتُهُ بمناوِرَ لا تحتملُ لَبْسًا، امتنعتْ عن الأُفولِ، فأَوْفَتْ دَواليها البَرَزةُ على كلّ شفيفٍ، فالنّفس أمّارةٌ، من لِداتِها النّهرُ، أقْصَدَها إليه الشّوْقُ، فاشتعلتِ الحروفُ في حَمْأَةِ الانعتاقِ وضوءِ الحبرِ، بالعبير. تدري أنَ الرّوحَ في جفنيهِ عالقةٌ، لَذِذْتُ واستَطَبْتُ هذا النِّهابَ بنشيشِهِ(2)، ترُوضُ نفسَها على أسيافِهِ تدُقُّها دَقًّا نِعِمّا(3)، وما اكتنّتْ آلاؤها المشرقةُ الطيِّباتِ الصِّباح. بين ظَهرانَيْها قدارةٌ تخاشَعْنا لأُبَّهتِها، فالمنازِهُ حُبلى بالغَيْثِ الهَتونِ تملأ بالإستبرقِ ومخادِّ الحرير!

أمّا الغِلالُ فمُحَدَّثاتُ العُهدَةِ(4)، وَجِهَةٌ(5)، معمّدةٌ بالشُّعاعِ. كريمةُ العُصارةِ، تنهّدَ الفجرُ لمّا فُكَّتْ أزرار.. تضايَقتْ عليها نفسُها، فدَخلنا، مع أزاهيرِها المزجّجةِ المساحبِ، وأقراطِها المدلاّة، في الأمَنةِ، بأرخَمِ ما يكون عليه البُغامُ، تُبهجُنا من مواقِدِ جُمارِها ونوافجِ العَرْفِ، لعبَةُ الدّروبِ المشرّعةِ النّاياتِ على البَدْعِ والتّرصيع.

… وإنّها لَمُترهّبةٌ أبدًا، سكرى بالأجراس أغوَتْها حُرْجةٌ بجوارِ كنيسةِ البلدةِ، فتغدّنَ القلمُ في أرضها المِبْكارِ رقّةً.. من شُهَّدِ عصرِهِ وجَيائِدِهِ صقلاً وتجويدًا: النّحلةُ في أعسالِها، والجدول في سقسقاتِهِ، والكروانُ في شقشقاتِهِ الطّروب.

فيا شاعرةً يَطيبُ لنا ضَرْبُ خيامِنا في نُزُلِها الدّاهشةِ، مع إطلالاتِكِ البريعةِ عَرَفْنا سَمْحَ الضّيافةِ، وسبائِكَ الذّهب؟!

***

(1): خلقَ

(2): صوت السوائلِ إذا غلت

(3): نعمة ما دققتهُ

(4): الضمان والكفالة

(5): صاحبة جاه

Comments: 1

Your email address will not be published. Required fields are marked with *

  1. الأديبة الأنيقة الغالية، والشاعرة الرقيقة العالية يسرى البيطار … تستحقين وتستهلين أكثر فالسموّ والرّفعة يليقان بحرفك النابض وإبداعك الجميل اللذين يحلّقان بنا فى الآفاق البعيدة.. شعركِ غذاء للرّوح العطشى للحبّ، وبلسم للقلوب الولهانة، وانتشاء للنفوس المكلومة ، دام لكِ الألق الأسمى والسّمت البعيد يسرى البيطار أصبحت علامة مُميّزة قائمة الذات .. ذا نظمتْ فهي شّاعرة صادحة، وإذا كتبتْ فهي أديبة راجحة. من عذب إلهامها إقتدّ إسمُها الجميل..يسرى البيطار من روعة إبداعها إزدانَ لطفُها النبيل، ومن طيبتها أينعت أريحيتها .. سيّدتي المصون أنتِ جديرةٌ، وقمينةٌ، وحقيقةٌ، ومُستحقّةٌ وأهلٌ فعلاً لهذا الإطراء الصّادق فى حقّكِ الذي صيغ فى هذا المقال القيّم والتحليل الرصين للأديب المميّز، والكاتب الرائع جوزف مهنّا … للّه درّكِ يا سيّدةَ الحروف الباسقة، والكلمات الناطقة، والأحاسيس الصادقة ،يا سليلَة الأدب الرّفيع،ونبعَ الأرب البديع، ونجمة الدّجى النّصيع، ،كلماتُ قصائدك نوارسٌ طائرة تجوب سماءَ سواحلَ لبنان الجميل، وأطراف العالم العربي والمهجري حيث يُقرأ الحرف العربي الأصيل بكلّ إعجاب.. حرفك، ولا غرو ،ولا عجب فذاك الدرّ النّفيس من معدنه، وكلّ إناءٍ فى ثقافتنا وعُرفنا يرشقُ، أو ينضحُ أو يفصح بما فيه ،من جمال أسلوبك، ورشيق عباراتك، وروعة بيانك ولوعة تبييك كلّ هذا النبع الصافي الرقراق آتٍ ومتدفّق كفوّارةٍ من ظمأ من فيض سجاياكِ، وكريم خلائقك، وصفاء شمائلك،وجميل شيمكِ،وسموّ خصالكِ، ورفيع فضائلك ، يا سليلة الجذر الطيّب، وأثيلة النّسب العريق المنحدريْن من أكرمِ جبلّةٍ ، وأنقىَ نبعٍ، وأصفىَ مَعين … قال مُحقّاً القارئ الناقد الذوّاقة الفطن اللبيب البليغ جوزف رعاه الله ونحن نصيح معه بصوتٍ جهوريّ من سويداء الفؤاد :” يسرى البيطار تنتهجُ في الشّعرِ مَنْهَجَ المتقدّمينَ، فلا يُضارِعُها مضارعٌ إذا خرجتْ تَطوي سباسِبَهُ، وتظعَنُ في مفاوِزه. فثالوثيّتُها البيانيّة: الكلمةُ، والجِدَّةُ، وسِحرُ القافيةِ، ليس في لُسْنِها حُبْسة.. مَوّارةُ الحِصادِ تضِجُّ بالأقمارِ والرَّياحين!” دام لكِ حلو البيان طوعَ اليراع والأنامل ووالبنان..