الفلسفة المعادلاتية وتحليل الحرية

Views: 582

 حسن عجمي

      تُعرِّف الفلسفة المعادلاتية الحرية على أنها معادلة رياضية على النحو التالي: الحرية = كل السلوكيات الأخلاقية الممكنة ÷ السلوكيات اللاأخلاقية. هذا يعني أنَّ الحرية تساوي كل السلوكيات الأخلاقية الممكنة مقسومة رياضياً على السلوكيات اللاأخلاقية. تملك هذه المعادلة فضائل عديدة منها أنها تنجح في التعبير عن أنَّ البشر أحرار رغم أنَّ الكون محكوم بالعلاقات السببية والقوانين الطبيعية.

     إحدى المشاكل الفلسفية الأساسية هي: كيف من الممكن لنا أن نكون أحراراً رغم أنَّ الكون بكل ظواهره محكوم بالعلاقات السببية والقوانين الطبيعية؟ فإن كان الكون محكوماً بالقوانين الطبيعية كقوانين الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا وبالعلاقات السببية بحيث الأسباب تُحتِّم نتائجها ويستحيل أن توجد ظاهرة بلا سبب يُسبِّبها فحينئذٍ أفعالنا أيضاً محكومة بالعلاقات السببية والقوانين الطبيعية ما يدلّ على أننا لسنا أحراراً. لكن، من جهة أخرى، لدينا اعتقاد راسخ بأننا أحرار وإن لم نكن أحراراً فلن نكون مسؤولين عما نفعل لكننا مسؤولون عما نفعل. هكذا نقع في معضلة فلسفية كبرى فثمة أدلة على أننا لسنا أحراراً وثمة أدلة أخرى على أننا أحرار كدليل أننا أحرار وإلا لم نكن مسؤولين عن أفعالنا. المشكلة الفلسفية هي: كيف من الممكن الجمع بين حقيقة أنَّ الكون محكوم بالقوانين الطبيعية والعلاقات السببية من جهة وأننا أحرار بالفعل من جهة أخرى؟ 

  تحلّ معادلة الحرية هذه المشكلة الفلسفية على النحو التالي: بما أنَّ الحرية تساوي كل السلوكيات الأخلاقية الممكنة مقسومة على السلوكيات اللاأخلاقية، وعلماً بأننا نتمكّن من فعل السلوكيات الأخلاقية الممكنة وإن كنا محكومين بالعلاقات السببية والقوانين الطبيعية لكونها سلوكيات ممكنة ضمن القوانين الطبيعية والعلاقات السببية، إذن نحن أحرار. وبذلك لا يوجد تعارض بين حقيقة أنَّ الكون محكوم بالقوانين الطبيعية والعلاقات السببية من جهة وحقيقة أننا أحرار من جهة أخرى. فالسلوكيات الأخلاقية متاحة لنا بينما الحرية ليست سوى القيام بتلك السلوكيات الأخلاقية ولذلك نملك الحرية بالفعل رغم محكومية الكون بالقوانين الطبيعية والعلاقات السببية. بكلامٍ آخر، بما أنَّ الحرية تساوي كل السلوكيات الأخلاقية الممكنة مقسومة على السلوكيات اللاأخلاقية، إذن الحرية كامنة في ممارسة الأخلاق والسلوكيات الأخلاقية. ومن الممكن لنا ممارسة الأخلاق والقيام بالسلوكيات الأخلاقية. وبذلك نحن أحرار. هكذا تنجح معادلة الحرية في حلّ المشكلة الفلسفية السابقة ما يشير بقوة إلى مقبوليتها وصدقها بفضل نجاحها.

لا حرية بلا أخلاق

     تنجح معادلة الحرية في التعبير عن أنَّ الحرية لا توجد خارج حقل الأخلاق واحترام حقوق الآخرين فلا حرية بلا أخلاق وممارسة للسلوكيات الأخلاقية. فبما أنَّ الحرية تساوي كل السلوكيات الأخلاقية الممكنة مقسومة على السلوكيات اللاأخلاقية، إذن على الفرد أن يكون أخلاقياً لكي يكون حُرّاً. وبذلك من دون ممارسة السلوكيات الأخلاقية يخسر الفرد حريته الحقيقية فالحرية لا توجد سوى ضمن الأخلاق وممارسة السلوكيات الأخلاقية ما يضمن احترام حقوق الآخرين وعدم الاعتداء عليهم. من هنا الإنسان حُرّ فيما يفعل شرط احترام حقوق الآخرين وعدم الاعتداء عليهم. وبذلك تنجح معادلة الحرية في التعبير عن أنَّ الحرية مشروطة باحترام حقوق الآخرين ما يُمكِّنها من اكتساب هذه الفضيلة.

     كما بما أنَّ الحرية تساوي كل السلوكيات الأخلاقية الممكنة مقسومة على السلوكيات اللاأخلاقية، وعلماً بأنه من الممكن للسلوكيات الأخلاقية أن تتطوّر، إذن من الممكن للحرية أن تتطوّر. بكلامٍ آخر، إن كانت الحرية تساوي كل السلوكيات الأخلاقية الممكنة مقسومة على السلوكيات اللاأخلاقية فحينئذٍ الحرية قابلة للتطوّر من خلال تطوير الأخلاق. هكذا تنجح معادلة الحرية أيضاً في التعبير عن أنَّ الحرية قابلة للتطوّر ما يجعلها تكتسب هذه الفضيلة الأخرى.

     ليست الحرية قابلة للتطوّر فقط بل الحرية أيضاً كامنة في التطوّر. فبما أنَّ الحرية تساوي كل السلوكيات الأخلاقية الممكنة مقسومة على السلوكيات اللاأخلاقية، ومن السلوكيات الأخلاقية اكتساب العِلم والمعرفة والتفكير العلمي والعقلاني والتصرّف على ضوء المعلومات العلمية والموضوعية والمنطقية الصادقة والمفيدة نظرياً وعملياً التي تُحتِّم تطوّر الفرد اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً، إذن الحرية كامنة أيضاً في تطوّر كل فرد اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً. هكذا تنجح معادلة الحرية في التعبير عن أنَّ الحرية قائمة على التطوّر وتتضمن بالضرورة التطوّر ما يشير إلى نجاح هذه المعادلة وتفوّقها. فالذي لا يتطوّر سجين ما هو عليه ولذلك لا حرية بلا تطوّر ما يستلزم تعريف الحرية على أنها تطوّر الأفراد اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً. وهذا ما تنجح معادلة الحرية في القيام به لكونها تتضمن أنَّ الحرية هي أيضاً التطوّر. ولذا الشعوب المتطوّرة اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً تتمتع بحرية أكبر بينما الشعوب غير المتطوّرة باقتصادها ومجتمعها وثقافتها فاقدة للحرية أو تمتلك حريات أقل.

ممارسة السلوكيات الأخلاقية

     بالإضافة إلى ذلك، تنجح معادلة الحرية في التعبير عن أنَّ الحرية تتضمن بالضرورة المسؤولية. فبما أنَّ الحرية تساوي كل السلوكيات الأخلاقية الممكنة مقسومة على السلوكيات اللاأخلاقية، إذن الحرية كامنة في امتلاك الأخلاق وممارسة السلوكيات الأخلاقية. وبذلك تكمن الحرية في المسؤولية الأخلاقية تجاه ذواتنا والآخرين. هكذا تتضمن معادلة الحرية أنَّ الحرية كامنة في المسؤولية الأخلاقية التي تلزمنا بممارسة السلوك الأخلاقي تجاه ذواتنا والآخرين. من هنا تنجح معادلة الحرية في التعبير عن أنَّ الحرية تتضمن بالضرورة المسؤولية ما يجعلها تكتسب هذه الفضيلة الإضافية.

     تنجح معادلة الحرية أيضاً في التعبير عن أنَّ الحرية كامنة في فعل ما نريد على ضوء معتقداتنا شرط أن لا نعتدي على حقوق الآخرين وحرياتهم. فبما أنَّ معادلة الحرية تتضمن أنَّ الحرية ممارسة للسلوكيات الأخلاقية، والسبيل الوحيد لممارسة السلوكيات الأخلاقية هو التصرّف على ضوء معتقداتنا وقِيَمنا الأخلاقية بلا اعتداء على الآخرين، إذن الحرية كامنة في التصرّف على أساس قِيَمنا ومعتقداتنا الأخلاقية شرط عدم الاعتداء على الآخر. لكن يستحيل التصرّف على أساس قِيَمنا ومعتقداتنا بلا فعل ما نشاء على أساس تلك القِيَم والمعتقدات. وبذلك تكمن الحرية في فعل ما نشاء على ضوء معتقداتنا وقِيَمنا الأخلاقية وأن لا نعتدي على الآخرين. هكذا تنجح معادلة الحرية في التعبير عن أنَّ الحرية هي فعل ما نريد على أساس قِيَمنا ومعتقداتنا شرط عدم الاعتداء على الآخر. وكل هذا النجاح دلالة على صدق معادلة الحرية ومقبوليتها.

     الحرية مسألة درجات فمن الممكن امتلاك حرية أكثر أو أقل. لذا النظرية الصادقة حيال تحليل الحرية لا بدّ أن تنجح في التعبير عن أنَّ الحرية قد تزداد أو تتناقص. ومعادلة الحرية ناجحة في التعبير عن أنَّ الحرية مسألة درجات ما يدلّ على صدقها. فبما أنَّ، بالنسبة إلى معادلة الحرية، الحرية تساوي كل السلوكيات الأخلاقية الممكنة مقسومة على السلوكيات اللاأخلاقية، إذن تزداد الحرية بازدياد السلوكيات الأخلاقية وتناقص السلوكيات اللاأخلاقية وتتناقص الحرية بتناقص السلوكيات الأخلاقية وازدياد السلوكيات اللاأخلاقية. وبذلك الحرية مسألة درجات. هكذا تتمكّن معادلة الحرية من التعبير عن أنَّ الحرية مسألة درجات ما يدعم صدقها.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *