هكذا تعلمنا الفرنسية

Views: 370

يوسف طراد

الأبجدية الفينيقية، التي أبصرت النور على شواطئنا، والرموز الهيروغليفية الموجودة على جدران أهرام الجيزة، بالنسبة إلى طفل شبيهة بالأبجدية الفرنسية. لم نكن نفهم أي كلمة من هذه الأبجدية، لكننا حفظنا حروفها من أولها إلى آخرها طردًا وعكسًا بعد التكرار المستمر.

انتقلنا إلى النصوص والأشعار، فقد كان يُشرح النص بالفرنسية ونحن بالكاد نعرف اللغة العربية المحكية. وتسأل المعلمة باللغة الأجنبية طبعًا: هل فهمتم؟ فنهتف جميعًا هتاف الواثقين وباللغة الأجنبية أيضًأ بصوت جهوري مع التطويح “نعم (مدام)”، ويمتلكنا الخجل إذا نفينا الفهم.

كانوا يحشون ذاكرتنا بمحفوظات لا أول لها ولا آخر، من نصوص وأشعار وحِكم. والويل ثم الويل لمن يُلحّن قراءةً أو يخطىء بتلاوة الشعر لأنه يُعتبر (يوقوق)، وهذا دليل دامغ على عدم الحفظ.

كان المتقدّم من الطّلّاب يعلّم الشعر الأجنبي بناءً على أوامر المعلمة،  فقد كان يقرأ جيدًا ولا يفهم ما يقرأه، ونردد نحن وراءه حتى حفظ القصيدة كالماء الجاري.

 

لم نطلب أي تفسير في أيّ لحظة من المعلمة، لأنها كانت ستفسر الماء بالماء، فكان إتكالنا على الله والحظ وذاكرتنا. فإذا اخطأ أحدنا وجهر بحقيقة عدم الفهم، يأتي الشرح بكل براعة من مدرّسة كأنها ولدت في (باريس) وبلغة مبهمة تزيد غموضًا جديدًا على رموز غير مفهومة أصلًا.

مضت الأيام على هذا المنوال، تُلقى علينا ألفاظًا يتوه في مجاهلها (مونتسكيو) و(جان جاك روسو). إلى أن وصل عصر المعجم (فرنسي-عربي)، وكان للراغبين أن ينبشوا المفردات مفردة مفردة، ليفهموا معنى النص، والراغبين كانوا شبه معدومين.

عند صعودنا إلى المرحلة المتوسطة، فُرض على التلامذة جميعهم أن يكتبوا حكمة وباللغة الفرنسية طبعًا بعد كل فرض. كانت أقصر حكمة وأسهلها كتابة بالأحرف الأجنبية دون أخطاء “من جدّ وجد”. لم تفطن المعلمة لهذه الاتفاقية الجماعية غير المبنّدة إلّا قرابة نهاية العام الدّراسي، وعندها كان البكاء وصرير الأسنان.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *