وجوه وغياب….

Views: 258

د. جان توما

الساكنُ في هذه الحارات، يعرفُ تاريخ البلد جيدًا في الخمسين سنة الماضية.

الساكنُ في هذه الحارات، صار كحجارتها يروي ما جرى لهذا البلد، قبل بدء سقوط الحكايات.

الساكنُ في هذه الحارات، لملمَ ذكرياته، ومضى إلى أرض الله الواسعة تاركًا بين شقوق حجارة الجدران، قصص حبّه وعشقه لهذه الدروب ورحل.

حين أفرغَ حقائب الغربة في البلد الجديد، ملأها بوجوه طفولته وشيطنته، ورفعها إلى علّية، ليعود إليها كلّما فاض دمعه وجرح الشوق قلبه ليضمّده.

كانت الهناءة هنا، وفرح الأيام في زمني السلم والحرب.

كيف استطاعوا محو الأسماء عن الأبواب؟ وكيف منعوا  الحبيبات من الوقوف خلف الستائر لإلقاء نظرة على عابر يمنح “طرف عينك غيرنا لكي يحسبوا أنّ الهوى حيث تنظر”.

كيف غيّروا الملامح الأليفة، وبدّلوا العادات والتقاليد؟

كيف استطاع الوباء أن يضيق الأزقة وكانت “وسع البحر” و”كبر السما”؟

الساكنُ في هذه الحارات، ولو جاب الدنيا باقية شرايينه هنا، تمتدّ من حيّ إلى حيّ،

متعهدًا أهله في الثغر البحريّ في زمن البحث عن لقمة ودواء ودفتر عمر.

الصورة للفنان جورج لبس- حارته في الميناء

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *