“حكمة” دون كيشوت و… “دهاء” مكيافيللي

Views: 296

أنطوان يزبك

 

الإنسان ضحية أفكاره وانتظاره الحلول في مجتمع جحيمي!

 

يقول هيراقليطس: الرجال وآراؤهم؟ أطفال والعابهم!

منذ عصور، أدرك الإنسان أنه عالق في دائرة جهنمية، ومن يمسك بخيوط اللعبة يتصرف  كما الأطفال مع الدمى، إذ غالبا ما ينتهي بالطفل أن يحطم دميته التي بكى لكي يحصل عليها!

والمستهتر الذي يبدد مال أبيه والخائن الذي يبيع الوطن يتصرفان تمامًا مثل الابن الضال في الإنجيل، الذي انتهى به المطاف إلى اشتهاء مأكول الخنازير… مثل الابن الضال هو خير تعبير عما نحن فيه من تخبط وضياع، وكم من مسؤول ارتضى السكن في مستنقعات الضلال والبقاء في سعيرها.

 يقول الله تعالى: ووجدك ضالا فهدى (سورة الضحى) فهل يهتدي الضالون، أم اقفلوا الأبواب ابد الدهر على الاهتداء ورموا المفاتيح؟

يقول نيكولاس ماكيافيللي: “لا يعرف الرجال أن يكونوا جيدين بصورة كاملة ولا سيئين بصورة كاملة!” معنى ذلك أن الخير والشر موجودان في الإنسان على حد سواء، ولكن ما قول ماكيافيللي في بشر يستحوذ عليهم الشر والغدر والنميمة والتدمير وقهر الشعوب والعمل على مسحها من الوجود؟

اتهم ماكيافيللي بالدهاء السياسي وتنسب إليه مقولة “الغاية تبرر الوسيلة”… لنعمل على هذه المقولة بغية الوصول إلى نتائج وحلول للأزمات المستعصية، لا الإتيان بنماذج إجرامية مستهلكة وغير قابلة للصرف أو الاستبدال، واستعمالها وتأبيدها من جديد!

ماذا ينتظرنا وينتظر الإنسان في كل مكان من العالم في  المستقبل؟ تحدث كارل ماركس عن نظرية الانعزال alienation وبعد الناس، في مسائل عديدة، عن طبيعتهم البشرية واغترابهم عن الانخراط المجتمعي، نتيجة العيش في مجتمع مؤلف من طبقات اجتماعية متراكبة فوق بعضها البعض،  فتكون حتمية السلوك انعزال عن المجتمع تردٍ وقهر وفقر وتاليًا الزوال.

ظن البعض أن التقدم والحضارة والتكنولوجيات الحديثة سوف تقضي على هذا الاختلاف الطبقي، ولكن حصل العكس، فازدادت شحنات الغضب ونما خطاب العنف الهادف إلى تدمير العقل والمنطق، وازدادت الأزمات، وتحرّر العفريت من القمقم الذي سجنه فيه منطق الحداثة وشرعة حقوق الإنسان والأمم المتحدة،  وقامت سياسيات عالمية وتبعتها أخرى محلية تمعن في حملات تدمير الشعوب وتهجيرها في كل مكان من العالم! وما نحن عليه الآن خير دليل على ذلك ولا حاجة لنا في أن نستزيد شرحا.

“علينا أن ندرك أن جحيمنا نحن صنعاه”؛ يقول ويليام جيمس في كتابه، précis de psychologie .

الجحيم في الحياة المقبلة الذي حدثنا عنه اللاهوت، لن يكون أسوأ من ذلك الذي نصنعه في حياتنا الأرضية، ونحن نوجّه مقدراتنا في الطريق الخطأ.

كانت جدتي تقول لنا: “يلي بدو يلعب مع البسين بدو يتلقا غراميشه”. مع الأيام اكتشفت ان هذه الحكمة جرت على لسان دون كيشوت مؤنبا سانشو بانشا خادمه الأمين، فآلمني أن يكون محارب طواحين الهواء المهووس بالبطولات الوهمية والمعارك الخيالية أكثر حكمة من كثر يعيشون بيننا!.. في الحقيقة هي افكار الكاتب سيرفنتس تجري على لسان بطل روايته، ولكن من العيب أن لا ندرك ونتعظ، لأن من لا يفرق بين الخير والشر فقد كتب ورقة إعدامه بيده !

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *