الحجّ إلى مونيخ (11) عُمْرة في سُجون ماقبل الفيريس

Views: 330

 محمّد خريّف*

من سُجون الصّراط المستقيم

أسْتغرب من حجّة وعُمرة لا أطْلب فيهما أن يَهْدِيَني الله  إلى الصّراط المستقيم والصّراط المستقيم يهديه الإنسان لنفسه في مُونيخ ، والصّراط المستقيم سِجْن من سُجون العقل يقيّد الدّابة ويمنعها من الاِعتداء على حقّ الغير في العيش ولا أبقاء لأفضل كما يرْويها داروين ويفنّدها غيره . وفكرة الصّراط المستقيم مركّب من علامات بشريّة ماثلة في الواقع اليوميّ للعمران البشريّ في مُونيخ وليست مجرّد دُعاء يردّده اللّسان ولا يستسيغه المكان والزمان ولا سلطان لعقيدة القول دون عقيدة الفعل في بلد لا يقول بإعجاز دون إعجاز ولا إعجازَ يقف دون مشيئة الإنسان والحجّ إلى مُونيخ رحلة نحوالغد لا عود على بدء ولا طواف بكعبة ولا رحى تدور على ثفالها والصراط المستقيم في مدينة مونيخ حركة هندسية تجسّمها خطوط مستقيمة متوازية       

تسم مظاهر المعالم وأشكالها والمعالم علامات في مُونيخ لعلّها تؤذن في غير يقين قاطع  بهيمنة ذهنيّة  الهندسة هندسة الخطّ المستقيم   الممكن  في الحياة الآن هنا لا هناك في الممات وهل الآخرة هنا الآن خير من الأولى؟  والخطّ المستقيم يحيا في الواقع لا في الذّاكرة فيشمل مظاهر الحياة اليومية في مونيخ سواء أكان ذلك في انتظام العيش وترتيب نظام السير في الطرقات المستقيمة المتوازية متجسدة في بساط الأرض حدائق وجسورا وأنفاقا ، والمدارج متحركة داخل المغازات والمتاجر الكبرى ، ولعل المتحرّك ذهنيّة الاستقامة العلميّة الفلسفية لا استقامة الصّراط المستقيم تموت فينا فيحييها الدّعاء والاِبتهال ورجم الشيطان بالحجر الأسود وهل الاستقامة الفلسفية العلميّة في مونيخ سوى انجاز  إنسانيي  مُحدث في أرض “بافاريا” مهد الرّومنسيّة والفلسفة  ولا كَعْبة تفرغ لتملأ بالتّضرّع والتّفجّع  ولا كِعاب في مونيخ غير نساء الشارع ،يجُلن في الأسواق يدرجن حيث أردن ولما يسمعن بالوازع والواقي ولا ندم لحافظ إبراهيم لو أبصر بعينه بريق الحسان وهو من بريق السواقي؟

هكذافالخط المستقيم كالخط المتوازي يلحظه المرء في مسالك المشاة والدّراجات فيفرض قانون مرور يعطي حق الأولويّة لخلق الأرض وهم من بشروحيوان والنساء من بشر والكلاب من حيوان وبين النساء والكلب إلف وعشق ومن حق الكلاب كحق الإنسان على الانسان في الطريق المستقيم ولا سلطة تمنعه من ممارسة حقه في الأولويّة  وقد لا تنهره عنوة صاحبته بل رفيقته ولا تنهاه فأترك  له بدوري الأولويّة  في راحة بال ولا عهدة لي بمنطق الكلاب المستقيم وهل لا أموت بغيظي ،  وذات دلّ تنتظر مني بعين ولعلها تنظر إلى غريمي بعين أخرى ؟

وتسجنني في لحظة مّا قيود الصّراط المستقيم تسكن وجداني فإذا أنابكياني في سجن بئر السّواني و الرأس الطّيّب لا سجن له  ولا طيب لبحر  يهديه إلى رؤوس القرصنة ،  والله عز وجل يهدي  إلى الصّراط المستقيم من يشاء و يحرم من ضلّ وغوى فلم  يظفر بحجّة هنا الآن في بلاد بافاريا” وأوَلتحسبنّها بلدا من بلدان الكفرة وانتم الغاوون لا الشعراء ؟” هنا أنا بجسدي وفكري في  بلاد الظنّ بالصراط المستقيم لا كما حملته في ذهني وهاتوا جرابي ومزود ي والى قوم سواكم لأميل، وهل أنا كالمعرّي غير مُجد في ملتي و اعتقادي ولا نوح لباك في مونيخ غير نعيق غراب ورديّ يبشّر بصباح جديد وهل أعتاد نسيان سواده؟

وكأنني أطرش خلال أداء مناسك الحجّ في  مُونيخ فلم أسمع ما أسمعه في العادة نهار الوقوف على عرفات ، فأخلط بين مناسك الحج الرّبّاني والحجّ البشريّ وأوَليس لي في سوق العبادة ما أذوق- والغراب كالسنجاب وسائر الطير في مونيخ يعيش من أجل بقائه ولا قطّوس يصطاد  لربّه ولا حجّ يدوم بدون  أجر وخدعة وخدعة اللسان من خدعة العلامة في السّيمياء الحديثة لا السيميا التقليديّة ؟؟

(يتبع …)

***

(*) كاتب من تونس –مونيخ- مارس / أفريل 2020

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *