أميرة القلوب

Views: 525

د. جوزاف ياغي الجميل

 

*قراءة في قصيدة الشاعرة حنان فرفور, على أمل أن نراها، قريبا، أميرة الشعراء:

 

“يا مرجئ الكاف، تلك النون موصدةٌ

مهما مددتُ الدعا، عادت  يدي  بتراءْ!

صوتٌ ولا سند ، نارٌ  ولا بلد

لم تطفئ النون الا الطاعة  العمياءْ!!

لم أمشِ، درب من الأشواك أقعدني

فلا نبيّ مشت في دربه الصحراء 

لم أرتجلْ،  كلُّ أكفاني مكرّرةٌ

سِلوُ القبيلةِ،  أن ترثي الصبا  خنساءْ!

كأيّ حيٍّ يفرُّ الدمع من كفني 

ما كلّ أهل البكا، يا سيّدي.. أحياء!!”

                                            حنان فرفور

 

***

نداء.. عرس من الألم.. رثاء. عناوين تخطر في بال القصيدة. تومض أجنحة بكاء. يصل الدمع بين الأشواك والأشواق. أهكذا يورق الحزن في مقلة العشاق؟

نداء من صحراء البكاء. بكاء شاعرة خنساء. صخرها الكون المعتق بالرجاء.

وفي ثنايا المرايا، تطلق الشاعرة حنان فرفور، المرشحة لراية أميرة الشعراء،صرخة كونية بامتياز: الكاف عندها مرجأة، والنون موصدة، تحاكي السنا بالآلاء.

في كينونة الشعر ألم وآمال. والنداء حلم يعانقه اكتمال.

في كينونة الدعاء تبتر يد القصيدة. أتكون عاشقة تسرق البوح، أم راشقة حلم الكون بما يغريه الجمال؟

في نداء فرفور فراشة ذكريات تمتد أجنحتها الفضية إلى جذور التراث العربي، إلى رمال صحراء العروبة الوادعة، إلى الخنساء تبكي أشقاء لها بمقلة خاشعة. والبكاء في عمق الحسناء موج واشتمال، وشعلة من ضياء.

نداؤها حلم عربي يبحث عن سند. ولكن تحذف النون من النداء.

نداؤها النار في بلد غدا غريبا غربة صالح في ثمود. تتحول النون عينا مسهدة، تكشف عري الواقع العربي.

في القصيدة دعاء ونداء. وكلا الأمرين محبط ومجهض لأن الطاعة العمياء فرضت عليها القعود، لأنها امرأة. والمرأة العربية دربها محفوفة بالأشواك. هي النبية، زرقاء اليمامة، فقأ الكفن عينيها. أصبحت خنساء البكاء والفجيعة.

لم تطفئ..لم أمش..لم أرتجل..أفعال مجزومة  ترد الشاعرة فرفور إلى زمن موغل في البعد والهزيمة. تجعلها تبكي واقع الكفن/الموت / الانكسار. والكفن يتجدد عبر العصور لأن شهريار واحد متجدد لا يكل عن الفتك بكل نساء القبيلة.

من هو سيدها الذي تناديه؟ إنه مرجئ فعل الكينونة/الثورة/ المقاومة. إنه الشعر.

تبكي الشاعرة من خلف كفنها، من سجنها في القصر المرصود. هي ميتة حية. دموعها لا تشي بالحياة، لأنها ترتعش أمام العاصفة. تكفنها رياح القهر، دموع اليأس. ولا من مجيب. تنادي الشعر كي ينقذها. تستغيث به. ولكن الشعر/ الفعل عينه موصدة كمشنقة تلف على رقبة الشاعرة، وتلقي بها في صحراء أشواكها لا توفر الأنبياء، ولا يفيدها رثاء الخنساء.

حنان فرفور، أيتها النبية الشاعرة، أكاد أسمعك ترثين مجتمعا بطريركيا، موغلا في الإساءة إلى النساء، بل إلى الإنسان، في مختلف العصور. تصرخين في وجه الظلم والقهر. وتقدمين ذاتك أضحية، لا ضحية، على خشبة الفداء. ستبقين حية في نفوسنا والضمائر. والدم المتدفق من كفن دمعك سيصبح نهرا يجرف كل السدود، ويرهص بقيامة طائر الفينيق.

حنان فرفور، كفانا فخرا أنك تتربعين على عرش قلوبنا، قبل أن تتوجي أميرة للشعر والشعراء.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *