قبل فوات الأوان
خليل الخوري
لا نكشف مستوراً إذ نقول إن لبنان في وجه عاصفةٍ أبعد مدى بكثير من «جويس» التي غطّت ببياضها الناصع وجه وطن شوّهته الممارسات والارتكابات والخلافات والتجاوزات. وهي عاصفةٌ نخشى أن تتجاوز الإطار السياسي لتتحوّل إلى ما أخذت نذره تبدو في غير زمانٍ ومكان في التصريحات المُريبة، والكلام النافر، والتهديدات الصريحة والمبطّنة، والردود الفجّة… ناهيك بالردح اليومي من سجالاتٍ أقل ما يُقال فيها إنها تحمل الكثير من الشحن والتحريض والفجور.
يجب أن يكون المراقب على قدر كبير من السذاجة كي لا يستشفّ من المشهد العام نُذر الشؤوم التي بدأت تلوح في الأفق… خصوصاً أن الكلام على السلاح والتسلّح لم يعد بعيداً عن الأضواء، وإن كان مُغلّفاً بـ»إذا» و»نحمل السلاح فقط في حال كذا وكذا».
يُضاف إلى ذلك التحشيد والتصعيد في الاتهامات والشعارات ذات البعد الطائفي والمذهبي والخلفيات البغيضة…
فهل كان ينقصنا، في لبنان، موضوعٌ تقسيمي آخر، لتفلت الألسن بالتهديدات والردود على الردود. وكأنه لم يعد لدى المسؤولين في السلطة وخارجها ما يقدّمونه إلى المواطن سوى دفعه إلى هاوية الفتنة بأنواعها كلّها…
ثم إن العقل السليم (هل ثمّة مجال لهكذا عقل سليم في لبنان؟) لا يقبل أن يكون محجوراً على المرجعيات والمقامات وحتى على المواطن العادي الإدلاء بالرأي في قضايا الوطن. فعندما تحدّث البطريرك الراعي على «الحياد الإيجابي»، قامت القيامة ولم تقعد بعد، وكأنه ممنوعٌ على غبطته أن يكون له رأيٌ ينطلق من اقتناع ودرسٍ دقيق للحال المُذرية التي آلت إليها أوضاعنا، ما يقتضي البحث عن «حجّ خلاص». علماً أن سيد بكركي حيّد، في حديثه عن الحياد، قضية الصراع مع العدو الإسرائيلي.
ومن ثم، جاء الكلام على طرح قضية لبنان على المراجع الأُممية والدولية ليُثير الكثير من اللغط والردود مرتفعة السقف، مُرفقة باتهامات بالعمالة… ونحن قد لا نكون مع التدويل، إلا أننا نرفض بقوّة التهديد والتخوين.
لقد فاتهم أن المواطن اللبناني يعيش واحداً من أسوأ الأوضاع، إذ يدور في دوّامة الفقر حتى الجوع الذي يعض بنابه الكثيرين، والتهميش، والبطالة، والارتفاع الصاروخي في سعر العملة الخضراء وانعكاسه على القدرة الشرائية التي باتت معدومة.
وفي تقديرنا أن الوقت لم ينفد بعد لوقف المغامرات الانتحارية. فاتّقوا الله في البلاد والعباد، قبل ساعة لا ينفع الندم.
