قراءة في قصة “مواجهة” للروائية لونا قصير

Views: 937

 د. جوزاف ياغي الجميل

 

 

“مواجهة”.. قصة قصيرة للأديبة لونا قصير.

مواجهة بين فريقين من الغيوم. وحلبة الصراع هي السماء.

مواجهة تحمل في أعماقها صورة عن الواقع اللبناني.

ألم يقل الأديب يونس الابن: لبنان يا قطعة سما؟

وقطعة السماء هذه شكلت مسرحا للصراع بين الإخوة.

أما الحَكَم فهي الشمس. والشمس رمز للحق والحقيقة. تحاول الفصل بين المتنازعين ولكن.. بلا فائدة.

هي الحرب العبثية بين الإخوة الأعداء، في كل زمان ومكان. حرب بين البشر على خيرات هي ملك الجميع. و”السماء واسعة” تمنح خيراتها للجميع، بلا استثناء.

من المسؤول عن هذا الصراع؟

إنه الريح. بما تحمله من دلالات موغلة في الرمزية. ريح الخلاف، وريح الأنانية، والأهواء، والطمع. ريح الرغبة في السيطرة حتى على السماء.

والسماء فكرة رمزية، وليست مكانا جغرافيا. إنها رمز للعقائد والمذاهب المتصارعة على فكرة أن الله ملك لها، لا للآخرين، وأن الحق في جانبها. عقائد تعانق القشور وترذل الجوهر.

 

مواجهة قصير تتخطى القصة الرمزية إلى قصة فلسفية بامتياز. هي قصة الصراع الأزلي الأبدي بين أتباع الأديان السماوية. يتصارعون على امتلاك الله. والله ملك للجميع. أما  الشمس فهي تناص أسطوري يعيدنا إلى الشمس الإله، في الحضارات القديمة.

بين الشمس والريح صراع لا ينتهي، هو صراع الخير والشر. والشر قادر على التأثير في البشر الضعفاء، منذ تفاحة حواء، إلى عصر أسلحة الدمار الشامل. كأن الأديبة تقول على لسان الشمس الإله/الله: أنا خلقتكم لتتعارفوا لا لتتقاتلوا . خلقتكم للحياة لا للموت. فما بالكم تسيرون في درب الظلمات، وتهملون النور؟

والأرض، في الفلسفة الكونية، متلقِّ وموطئٌ لقدمي الله. هي أرض المنفى، بعد طرد آدم من السماء.

في  قصة المواجهة لقاء بين العناصر الأربعة المتصارعة في ذات الإنسان: الشمس هي النور، أي الأنا الأعلى في الذات الإنسانية، تحاول إيقاف الشر، ولكنه لا يستجيب.  والهواء هو الريح، أهواء الإنسان، بل ال”هو” الذي يدفعه إلى الحرب من أجل إشباع حاجاته الحيوانية. والماء هو دموع الأرض، بكاؤها على إنسان فقد إنسانيته، وانقاد لأهوائه وجهله والنزوات. أما التراب فهو الأرض، قنديل ديوجين الذي يحاول البحث عن الخير الأسمى، ولكنه لا يجده. أرض تبحث عن السلام. ولا سلام مع الجهل والأنانية والصراع.

الأرض هي الأديبة تبكي على واقع الإنسان الغارق في أحقاده والأنانيات. تبكي لأنها عاجزة عن خلق مدينتها الفاضلة، مدينة الله على الأرض، حيث السلام المبني على المعرفة؛ لأن الإنسان عدو ما يجهل. والخطوة الأولى في المعرفة هي معرفة الذات، على حد قول الفيلسوف الإغريقي، سقراط.

لونا قصير، أيتها الزرقاء النبية، تحذرين الناس من الشر، وتهدينهم إلى النور. ولكنهم في غيّهم ماضون. تكونين الشمس حينًا، والأرض حين تتواضعين. فهل يقرأ الناس ما تكتبين، ويتعظون؟ وإن قرأوا هل يفهمون ويفقهون؟

مواجهتك هي رسالة الأديب، في كل العصور. الهدف منها الحث على السلام والمحبة وتحويل الأرض إلى أرض جديدة، وسماء جديدة.  ولكن..على من تقرأ مزاميرك يا داود؟

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *