“تمنيع القطيع”

Views: 302

خليل الخوري 

حكاية «إبريق الزيت» اللبناني لا تنتهي. إنها مسلسلٌ كان يُسلّينا في طفولتنا، فباتت كابوساً يُرافقنا في سائر مراحل لبنان الوطنية والسياسية. فلكل موضوعٍ حكاية وحكايات عن إبريق الزيت التي لا يصل أيٌ منها إلى خاتمة. وكما نقول ونكرّر، إننا نختلف على كل شيء، بما في ذلك جنس الملائكة وأجناس الشياطين، ها نحن نختلف هذه الأيام على إبريق زيت اللقاحات لـ»تمنيع» هذا «القطيع» ضد فيروس كورونا.

بدايةً، اختلفنا على الأصل. على الفيروس ذاته. على تسميته بكورونا أو كوفيد-19. ثم اختلفنا (ومن باب الإنصاف مثل سائر أنحاء العالم في هذه النقطة) عما إذا كان اللقاح نعمة ربّانية على يد العلماء أو أنه شريحةٌ من الشيطان الخنّاس الدسّاس للتحكم في من يتلقّاه.

جاءت طلائع اللقاح من الصنف الأميركي «فايزر». هل نقبل أخذه أو نرفضه؟ بعضنا أراده لأن الولايات المتحدة الأميركية هي، في هذه الأيام، «إم الدنيا عموم واعتزوا يا لبنانيي»، وبعضنا الآخر لا يُريده لأنه صناعة «استعمارية إمبريالية». ألم نقرأ هكذا كلاماً؟!. وبعضنا الثالث يخشى على نفسه من مضاعفاته الصحيّة. وبعضنا الرابع، يرفض فيه ما يتعارض مع العقيدة الإيمانية…

وقبل أن يصل اللقاحان الروسي والصيني، يدور خلافٌ مماثل يتناول النوعية والفاعلية، وهذا سيستأثر بجدالٍ طويلٍ عريض، ولكنّه بالتأكيد جدالٌ عقيم. وهو أيضاً لن تكون له خاتمة.

وهذا طبيعي، ولربما سمعنا أو قرأنا عمّا يُماثله من مواقف في الكثير من البلدان. أما ما ليس طبيعياً أو معقولاً فأن نختلف على أفضلية من يتلقّى التلقيح أولاً. لذلك أقمنا منصّة. ولذلك جرى تعميم الكمّية (الضئيلة) التي وردتنا، كدفعةٍ أولى، على المستشفيات في العاصمة وخارجها.

وكان أن دخلت الذاتية، بأبشع صورها، في تصرّف غير مستشفى، فكانت حصّة الأقرباء والمحظوظين تتقدّم على حصّة أصحاب الحقوق. وهذا بات معروفاً ومُعلناً.

وكان علينا أن نتلقّى التأديب والتهديد والوعيد من الخارج ومن بعض المؤسسات الدولية. إذ لا بد من دورٍ لهذا الخارج في كلّ صغيرة وكبيرة. أليس له في كلّ عرسٍ قرص، كم بالحري وبعضه يُسهم في تمويل الكمّية الضئيلة التي وردتنا.

وليت الاختلاف في هذه الجائحة وعليها ينتهي قريباً، ونحن نجزم بأنها سترحل أو ينتهي مفعولها قبل أن ينتهي خلافنا حولها، مثلما نختلف على كل صغيرةٍ وكبيرة.

ولكن العادة في البدن لا يُغيّرها غير الكفن، كما يقول مثلنا العامّي.

وبعد، هل أخبرتكم حكاية إبريق الزيت اللبناني؟

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *