المؤرخ كمال الصليبي (Ⅵ)… عن التاريخ والشعر والذاكرة والموارنة

Views: 933

سليمان بختي

ذاك الاحد التقينا في صالون “ديوانية” الدكتور كمال الصليبي وكان جالسا على شرفة شقته المطلة على حرم الجامعة الاميركية وزرقة البحر المتوسط. وكان يهتم بالزرع والنباتات يشذبها ويسقيها بنفسه. وكان معنا في الصالون شقيقته سنيّة وزوجها سامي داغر وابنهما عماد. فسأله الدكتور محمود شريح سؤالا مختلفا: د.كمال كيف تؤرّخ؟

ابتسم وقال:” قبل ان ادوّن شيئا اقرأ حول الموضوع المعني ثم اتصور الاحداث التي جرت واتخيل الوقائع وأجد الرابط المنطقي فيما بينها ثم أبدأ التدوين واعيد النظر دائما فيما اؤرخه”.

د. كمال الصليبي

 

اخبرنا انه كتب كتابه ” منطلق تاريخ لبنان” (1979). في عمان -الاردن بدون مراجع لان مكتبته كانت في بيروت في زمن الحرب. ولما عاد الى بيروت اسقط المراجع والهوامش ودفعه الى الطباعة.

كان كمال الصليبي يحب الشعر العربي والانكليزي ويستشهد بأبيات من المتنبي مثل:

ومن هاب اسباب المنايا ينلنه/ وان يرق اسباب السماء بسلّم 

الطغرائي

 

ويستشهد من لامية العجم للطغرائي ومنها:

مجدي اخيرا ومجدي اولا شرع 

والشمس رأد الضحى كالشمس في الطفل

اعلل النفس بالآمال ارقبها

                                ما اضيق العيش لولا فسحة الامل

ويختمها:

فانما رجل الدنيا وواحدها

                                       من لا يعول في الدنيا على رجل

وايضا من طرفة بن العبد:

ستبدي لك الايام ما كنت جاهلا

                                      ويأتيك بالاخبار من لم تزود

ويأتيك بالاخبار من لم تبع له

                                      بتاتا ولم تضرب له يوم موعد

ويردد ايضا ابياتا من امرؤ القيس:

بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه

                                          وادرك انا لاحقان بقيصر

فقلت لا تبك عينك فانما

                                نحاول ملكا او نموت فنعذر

وكذلك للسموأل ولكن قبل ان يروي ابياته يقول السموأل هو صموئيل. ويردد:

تغيرنا انا قليل عديدنا

                          فقلت لها ان الكرام قليل

وما ضرّنا ان قليل وجارنا

                          عزيز وجار الاكثرين  ذليل

واضاف “منذ ذلك الزمن والمشكلة مشكلة اكثرية واقلية”.

المتنبي

 

ولكن القصيدة التي تعجبه للمتنبي ويحملها الكثير من المعاني هي قصيدة مدح كافور للمتنبي وفيها :

حببتك قبلي قبل حبك من نأى

                                  وقد كان عذارا فكن انت وافيا

خلقت الوفا لو رجعت الى الصبا

                                 لفارقت شيبي موجع القلب باكيا

اما قصيدة هجاء المتنبي لكافور فكان يعتبر ان كافور لا يستحق كل ذلك لان له فضل تاريخي في فترة حكمه. لكن المتنبي في قصيدته تلك كان صاحب اطول لسان في تاريخ الشعر العربي .

 

لا اذكر من سأله آنئذٍ عن ذاكرته القوية. ضحك وقال : ” انه “يسمّع” لنفسه كل يوم هذه الاشعار مختبرا ذاكرته ومطمئنا اليها. ولكن الاهم قال: ان لا ننسى ان الشعر مصدر من مصادر التاريخ. وكم من قصيدة وصلتنا من التاريخ واستدركنا لاحقا وقائعها وتفاصيلها وظروفها وبراهينها ودورها في الاحداث التاريخية.

روى في نهاية الجلسة ونقلا عن البطريرك المعوشي عندما ذهب اليه ليستأذنه في نشر كتابه عن المؤرخين الموارنة فقال له البطريرك الجليل: “اكتب ما شئت عنا واطبع ما شئت… اريد ان تعرف كيف انا افهم تاريخ الموارنة؟ نحن شعب مخه يابس مثل صخور هذا الجبل، وما تاريخنا الا قرون من معاندة الدهر”. 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *