لا لثقافة الموت

Views: 334

د. جميل الدويهي

 

(من كتاب “بلاد القصرين” – يصدر في 30 آذار تزامناً مع كتاب رديف “كتبوا في بلاد القصرين”،  من مشروع الأديب د. جميل الدويهي “أفكار اغترابيّة” للأدب الراقي)

 

أحاول أن أخرِج الليل من ثيابه، وأعطيه ثياباً رقيقة كالياسمين، فقد طغى الحقد، وانهارت القيَم، وباتت البشريّة في مواجهة دمار نفسها. فهل وصلنا إلى حالة مَرَضيّة، هي فقدان العقل بسبب العقل؟

الجهل يضربنا، سواءٌ كان جهلاً فكريّاً، أم دينيّاً، أم اجتماعيّاً أم سياسيّاً… وقلّة هم الذين يريدون العالم على قياس أحلامهم وبراءتهم، أو يتخيّلونه صافياً وصادقاً، كلوحة زيتيّة تزدهي فيها الغابات بألوانها، وتجري في وسطها الأنهار كموسيقى، وتسرح القطعان في براريها الشاسعة.

هل نُغبط القدماء على حياتهم في المضارب والخيام؟ وهل نتمنّى عيش الكهوف إلى جانب الصفاء؟ وهل نيئس من وجود الفضيلة والحكمة في كوكبنا الضعيف؟

لا. لن نعود إلى الحياة القديمة، لأنّنا تنوّرنا بالمعرفة، وتسلّحنا بالبصيرة والبصر. بيْد أنّ المعرفة لا ينبغي أن تكون سيفاً مُصلتاً على أعناقنا… نريد أن نمضي إلى الأمام، لأنّ التطوّر حتميّ… ومع ذلك، فمن المستحيل أن نعيش الحياة كما نريدها ونشتهيها، إذا كان هناك مَن يحقدون عليها.

لماذا تريد أمم شاسعة أن تستعمر أمماً أصغر؟ ولماذا تكدّس أسلحة الدمار، وتهدّد، وتتوعّد؟ ولماذا تتحوّل الديانات والعقائد إلى دعوات للقتل، في سبيل توحيد العالم تحت راية واحدة، وهو لا يتوحّد ولو امّحَت الإنسانيّة عن بكرة أبيها؟

لا لثقافة الموت، ولا للمفكّرين الذين يحبّونه، ويعتبرونه خلاصاً، أو جمالاً وراحة. فكلّ الخرافات المحيطة بالموت تشبه الأقمشة البالية… وشتّان بين مَن يرتدون ثياب العيد ويضيئون شموعاً في معبد الإله، وبين مَن يصبغون أيّامهم بالسواد، ويطفئون الشموع في المعابد.

إنّ المواجهة طويلة، بين أولئك الذين ينشرون الفوضى والخراب، وبين مَن يبشّرون بالسلام، كما المواجهة بين الجرذ الذي يأخذ الحطبة بفمه ليزيد من حريق الغابة، والحمامة التي تطير إلى النهر البعيد، وتأخذ قطرة الماء بمنقادها، ثمّ تعود لتلقيها فوق النار المشتعلة…

المجد لتلك الحمامة التي ستنتصر في النهاية، ولو طال الزمان.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *