شارل قرم… إنماء الشخصية اللبنانية

Views: 1281

وفيق غريزي

تميزت عبارة الشاعر الفرنكوفوني شارل قرم بالغنى. والتفجًر. والطاقة الذاتية للكلمات، وامكانية التصرًف بتقنية البيت الشعري، والوضوح الكلاسيكي الممتزج ببعض الايحاءات الرمزية، والموسيقة الثابتة في مغاري الحروف. من هنا كان صاحب نمط تعبيري مستقل تخطى فيه جميع معاصريه وسابقيه من الشعراء اللبنانيين باللغة الفرنسية،فمن هو هذا الشاعر الملهم؟

فجر مشرق

ولد شارل قرم عام ١٨٩٤، والده داوود القرم، رسًام عرف بلوحاته ذات الطابع الديني المسيحي. درس لدى الاباء اليسوعيين، وانصرف مبكرا الى التجارة فتاًتت له منها ثروة طائلة في حقبة قصيرة من الزمن، لكن دوًامة التجارة وجاذبية المال لم تحولا بينه وبين عالم الادب الذي اظهر ميلا شديدا اليه وهو لا يزال على مقاعد الدراسة. اصدر باللغة الفرنسية عام ١٩٢٠ ” المجلة الفينيقية ” ذات النزعة اللبنانية المندفعة وذات الفضل العميم على الاقلام اللبنانية باللسان الفرنسي. واتبعها بدار نشر بالاسم نفسه، عنيت بنشر تراث اللبنانيين باللغة الفرنسية. عام ١٩٣٥ انشاً ” منتدى الصداقات اللبنانية ” وجعل من مكتبته الغنية والفسيحة مقرا لاجتماع اعضائه، تصدر في الشعر اللبناني باللغة الفرنسية، تيارا دعائمه احياء التراث الفينيقي. وانماء الشخصية اللبنانية، وبعث الصداقة اللبنانية -الفرنسية. والبحث عن مكامن الكلمة المبدعة. توفي شارل قرم عام ١٩٦٣ بعد ان احتجب عن مسرح النشاط الادبي في اواخر اًيامه.

شارل قرم

 

موضوعاته

التفت شارل قرم الى المشكلات الوطنية والدينية والانسانية العامة من دون ان يتوقف بشكل ظاهر امام مشكلة الحب. وانما عرف له ديوان خاص باسم “سر الحب”. فهو لم يعالج فيه الحب بموحياته الماًلوفة، بل دار حول تصوير حياة مريم المجدليةفي وجوهها وتحولاتها، مضمنا اياه بعض المقطعات الخاصة بحبها الاثيم قبل الانصراف الى حياة الطهر والترقي الروحي. ياًتي الشاًن الوطني في راًس هرم المعضلات التي استوقفت شارل قرم، فلم يعد لبنان يلتمع في شعره خطوطا وصفيًة او مسارب حنين فقط، بل صار يتجلى ويتدفق ويتجسد ملحمة وجود ووطنا ضاربا في ابعاد الاسطورة والتاريخ، من هنا ان كتابه ” الجبل الملهم “، حسب راًي الدكتور غالب غانم، يعتبر علامة تحوًل تاريخية وملحمة مجد لبنانية، لانه، بمراحله الثلاث رسم خريطة تاريخ الوطن اللبناني وحاضره وتشوًفاته. وقد. صدًر المرحلة الاولى بعبارة شهيرة قالها الجنرال غورو عام ١٩٢٠ لدى انشاء دولة لبنان لبنان الكبير. ثم اتبع التصدير بعبارة منسوبة الى النبي سليمان الحكيم في نشيد الانشاد حيث يتجلًى عبرها ذكر لبنان تجليا شعريا رائعا.

الجبل الخالد

وتنبض هذه المرحلة. يقول الدكتور غانم “مشاعر مفعمة بروح الحماسة يشترك في تاًديتها المواطنون جميعا. وصدًر المرحلة الثانية بكلمات عامة حول الانتداب الفرنسي. وبمزامير النبي داود وبنبوءات لارميا واشعيا وحزقيال، ذكر فيها لبنان الجبل الخالد، موطنا للجمال، ومعقلا للقوًة وهيكلا للقداسة. ويعالج الشاعر قرم في هذه المرحلة ماسي الجشع والكسل والتباغض والتسلًط وانعدام الحس الوطني والانساني. ويصدر المرحلة الثالثة،بكلمات شكسبير، وبنبوءات اخرى، وفي هذه المرحلة ينطلق الشاعر قرم من محاكاة الحضارة الفينيقية، لرسم خطوط اللوحة الوطنية، التي يتكامل فيها الزمن الماضي مع الزمن الاتي..

لقد اعتبر الشاعر التاريخي نقطة الانطلاق الرئيسية في التجربة الوطنية من دون اهمال الجغرافيا الطبيعية، وكان له اطلالة اخرى على النزعة الوطنية في كتابه “سر الحب” حيث ظل لبنان وجودا يحتويه وهاجسا ينبت في احشائه.

 ويوًكد الدكتور غانم: “ان شارل قرم استطاع ان يتصل باساليب الفن الراقي، وان يؤالف بين حرارة الايمان ودهشة الفن”…

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *