الحجّ الى مونيخ (14) عُمرة في سُجون ماقبْل الفيريس

Views: 368

محمّد خريّف*

 

من سُجون الحطّ والتّرحال

 وتدقّ طبول العود من الحجّ إلى مٌونيخ ولا عُمْرة تطول في سُجون ماقبل الفيريس، ولاصّدى لأصوات تردّ د ” اللهمّ لبّيك” ووسواس في الصّدور خنّاس تقرع أحجاره ميّت الأنفاس فتحيا وكيف تتنازعني وأنا أتأهّب لمُلاقاة صلاة الفجر بلا ركوع ولا سُجود رغبتان في وًجُوم : رغبة في السّكون وأخرى في الحركة والسّكون بقاء في شطر من القلب والحركة سفر إلى شطر آخر من القلب ذاته ؟، وللوجد في اللغو مدّ وجزر، وزمجرة صمت مجراها رياح حاضر الصّاخب ومرساها بلا مرسى ولا تبقي بين جوانح الطير فيّ سوى رُسوم المرح تخفق، تلهيني  مروحة تلويناتها بما يتركه في القلب  حفيدي دليلي وله في عزّ البيت مهد وملعب. ولا مرقد للوحشة ولا يقظة ، وكيف الحطّ والتّرحال ولا نصيب لي من وافر الحديث عن رحيل وراحلة واللعيش في بين الأهل في مونيخ يطيب ويلذّ ولا جفن عن فراقه يرقد؟

 

في القطار من مُونيخ إلى فرنكفورت

ومدينة مونيخ تبدو هادئة في مطلع الفجر أوتكاد أن تكون  في نظرمن يقارقها مثلي خالية من المارة ولا تخلو من عابر سبيل، ولا أحد يمنع أحدا من  التجوال على انفراد في الليل –ومبدأ التّباعد مضمون دون هالة الأمر والنهي فأجواء النزهة والسير عادية ولا مجال لاستعراض مظاهر البطش والقوة أو إثارة الفزع.    هكذا تنساب بناء سيارة الأجرة في أمن وسلام  تحت أضواء الفوانيس الكهربائيّة لتصل في الموعد إلى محطّة القطارات الكبْرى في مونيخ، حيث يسهل دخولنا إليها وقد اصطفت العربات إلى جانب العربات في انتظام الصّراط المستقيم وعلى الساعة السادسة إلا خمس دقائق ينطلق القطار في اتجاه فرنكفورت بعد أن جلسنا ثلاثتنا في مقاعد من عربة تكاد أن تخلوَ من المسافرين،والعربة كغيرها من عربات القطارات العصريّة مجهّزة بأحدث الأجهزة الاليكترونية الاتصالية بحيث يمكن للمسافر من مقعده أن يعاين مسلك القطارفي كامل رحلته فتظهر على الشاشة أسماء المحطّات القادمة ، هذا وكانت مقاعد القطار مريحة تفتح نوافذها من الجهتين اليمنى واليُسرى ولاتقع عين الراكب في ما يسجنها بل تنساب هي بدورها مع أشعة الشمس في الصباح الجميل فتتراءى لنا مشاهد تطلع من بساط الحقول وتنخفض بانخفاض الوهاد والأودية والرّفع والخفض حركة انعكاس أشعة خيوط نورها تصاعّد وتنكسر.

 

وترتجف جفون الصّبح ولا تثاءب الضّيعات على ضفاف السكة ومنارات الكنائس بل تستنشق عطر أجواء الندى تنشال عليها أشعة الشمس فتضيء الأرض  وللعين انعكاس شره ينيرها ؟  وعلى يمين السكة الحديد  بناية تبدو قديمةجديدة يقال إنّها بناية محكمة انتصبت لمحاكمة الفهرير بالغياب -وقد لا يسلم من المحاكمة من ناصره وسانده من مؤسّسي الحزب النازي، والبناية كائنة قرب محطة نيورنبورغ يذكر أنها تعرضت إلى القصف بالقنابل خلال الحرب العالميّة الثانية وتكثر الأنفاق على قصرمسافاتها وحقول العنب في المنحدرات تختفي وتطلّ   كما تطل المدينة مدينة القلم والقلم ينبعث  من الأرض الى السماء و لاينزل من السماء ليأمر الانسان فيعلمه مالم يعلم ،واذا بمدينة القلم مدينة معرض الكتاب أوّل ما يظهر مدينة فرنكفورت مدينة ناطحات السّحاب يزيدها نهر الماين بهاء وجمالا حيث يقترن سحر الإبداع الثقافي بسحر إبداع الطبيعة.

 

في مطار فرنكفورت:من الخلاعة إلى الخلع

 ولا سحر غير سحر المشاهد يساورالجفن جفاه مرقده و القطار يعود أدراجه إلى مونيخ وليتني عدت معه لكن هانحن ننطلق ندفع جرابنا دفعا في اتجاه مطار فرنكفورت وكدنا أن نضيع في المسالك المتشعّبة ولا علامات تساعدنا إلى الوصول إلى قاعة الانتظار لولا وجود أبي ريّان التونسي برفقتنا فساعدنا على تذليل صعوبات التنقل في مطار فرنكفورت، فالممرّات وكذلك فضاء المطار يبدو في حالة أشغال تزيدها فوضي العائدين من الأتراك وهم في حالة فزع قصوى قد لايتدارك الا أعوان من البوليس،  وتغيب شبابيك القيام بإجراءات السفر التابعة  للخطوط التونسية   وقد تحجبها عن الأنظار جلبة المسافرين الأتراك أو هي تصيرفضاء من فضاءات الخطوط التركية تستغلها ظرفيّا بالحوز والتّصرف هنا الآن أنا أسمع ما يتردد على ألسنة البعض في مطارفرنكفورت فأشعر عندها فقط بالحاجة الملحّة إلى ما ينقض عني وضوء الحج إلى مونيخ ويخلع عني جلبابه ولم أرتد من ثوب الحجّ ما يجعلني حاجا دون حجّ فأحج وأزمزمزج وأروّح للبلاء متحزما وفعلا فها أنا سرعان  ما أنضمّ إلى جلبة المسافرين من التونسيين العالقين ولا أحتاج  إلى حمام الهمذاني  وحمّام يوم الحشر يطهّرني ممّا علق بي طبع المواطن الألماني فتضيع مني طبيعة التمدّن الوقتية وليس لي إلا أن ألتحق بالصّفّ الطويل الملتوي فأكون من ضمن الصاغرين ولسنا من القطيع والراعي من زبانية الترحيل يوقعنا خوفا علينا من العدوى تحت طائلة الترغيب والترهيب وهو الحاكم بأمره الفاتق الناطق من حرس الخطوط الاهلية ينهي ويأمر و قد لايعد ويتوعّد، فسبحان الله وقد حوّلني بمعجزة مني  في دقائق معدودات من مواطن تطهّر وقتيا بالحجّ إلى مُونيخ فصار إلى تابع من توابع  الخلافة وزوابعها.باتت عقيدة إيمان وتقوى تعيش قي ضمائرنا لانقدر عليها ولا نقوى وحكمتها سيف يتحكّم في رقابنا فنطيع به الله وأولي الأمر منا وهل نحن في خلاعة أم في خلع ؟………….

( يتبع)

***

*كاتب من تونس-مونيخ- مارس / أفريل 2020

 

     

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *