أمة شعر

Views: 710

د. قصي الحسين

( أستاذ في الجامعة اللبنانية)

 

لمناسبة اليوم العالمي للشعر 21 آذار 2021

 

وصف الجاحظ الأمم بصناعاتها. خص اليونان بالفلسفة. وخص الرومان بالعمارة. وخص الهند بالحكمة. وخص مصر بالرياضيات. وخص العرب بالشعر. قال عنهم:

 العرب أمة شعر.

 جعل الشعر، بمصاف تلك العلوم. وجعل العرب بمصاف تلك الأمم. تتفرد به، تماما كما تفردت كل أمة من الأمم بالعلم الذي إختصت به.

  في العام1999، إهتمت المنظمة العالمية: الأونيسكو بالشعر العالمي. خصصت له يوما عالميا، للإحتفال به، وهو الواقع فيه،  الحادي والعشرون من آذار في كل عام.

  سيكون على العرب إذا، مسؤولية عظمى، إذا لم لم يبادروا لإلتقاط هذا التكريم العالمي لهم، ولو من باب الشعر.

فقد حكم لهم الجاحظ بالشعر، ذلك الذي عده العلماء والنقاد القدماء: “أمة في رجل”. فعاشوا على مجده، طيلة زمانهم في العصور القديمة، وحتى العصر الوسيط. فما عرف عن أمة سبقت إليه، إلا أمة العرب، بإعتراف العلماء والباحثين والدارسين، من بين أبناء الأمم أجمعين.

 والسؤال الذي إستجد فيما بعد، خصوصا، منذ عصر النهضة وحتى العصر الحديث والمعاصر: لماذا تقدمت سائر الأمم بالشعر. ولماذا تأخر العرب به؟.

  هذا سؤال مشروع بين أهل العلم، وبين أهل الفن، خصوصا إذا ما أردنا أن نصنف الشعر، على أنه واحد من العلوم على وجه التفاؤل، أو نصنفه، على أنه واحد من الفنون، إذا ما تفاءلنا به غاية التفاؤل.

 تأخر العرب كثيرا بالعلوم. وتأخر العرب أكثر بالفنون. وقد إنسحب ذلك أيضا على الشعر عندهم، لأنه، إنما يتبيأ دوحة العلوم، أو يتبيأ دوحة الفنون.

 صار الشعراء العرب، في آخر مراتب الشعر، لأنهم صاروا في آخر مراتب العلم والفن.

 ذلك أن العلوم، كما الفنون، إنما تتمثل في وحدة متماسكة.  ولا تشذ عن ذلك في شيء.

 فالشعر يعيش اليوم مرحلة  إنقطاع الوحي، من “جبل الأولمب”، حتى مدينة “عبقر”. وهو يسلك بين الناس، في مدائنهم وفي صنائعهم، وفي أعمالهم اليومية في البر والبحر، في مصانع المدينة أو في مزارع الحقل، في الساحل أو في الداخل أو في الجبل.

 ولا يصح في المنطق، ولا في التجربة ولا في العلم، أن يكون الشعر منقطعا، عن الوحدة التي ينبثق عنها. ولهذا ربما رأينا الشعر العربي، يتأخر عن الشعر الأجنبي، لتأخر العرب، في المهارات وفي الصناعات، وفي علم الحيل كافة عن الأمم الأجنبية.

 إن تأخر الدول والمجتمعات، إنما يكون عاما وشاملا، بنسبة معينة.  وهو برأينا ما ينسحب على حال الشعر اليوم، في بلادنا.

فإذا ما وجدنا تأخر الشعراء العرب عن اللحاق بقوافل الشعراء العالميين، فإن لذلك  مسؤولية عظمى، لا تقع على عاتق شعرائنا، وإنما تقع على عاتق دولنا، وعلى عاتق مجتمعاتنا.

 فالتخلف عن الركب واحد بين جميع أمم الأرض. وقطار التقدم وجهة سيره واحدة: إلى الأمام. أما من لا يصعده من الدول والمجتمعات، فلا بد أن يبقى حيث هو، إذا لم يجد إلى التقدم سبيلا.

 فالشعراء العرب، مثلهم مثل المهندسين والعلماء والأطباء، من أبناء عرقهم. ينجحون، إذا ما هاجروا إلى الدول المتقدمة، وعاشوا تجربة مجتمعاتها. ولهذا نرى أسماء كثيرة لامعة في دنيا العلوم والفنون على أنواعها، وهي تعود لأشخاص معروفين بأصولهم العربية.

 من هذا المنطلق، وفي يوم الشعر العالمي، يقدر العلماء الأجانب، الشعر العربي الذي حلق به المتنبي وأبو العلاء المعري، في سماء العلوم والفنون. أما نحن في الدول العربية، وفي مجتمعاتها التي تدفع ضريبة تأخرها يوميا على كل الصعد، فإننا نحيي الجهود المبذولة لدفع الطاقة الشعرية، لدى شعراء الشباب العربي، إلى الأمام.

 ونحن نرى في التحول الجاري حولنا، لإعتبار الأرض كلها، قرية واحدة، بارقة أمل، تجعل الشعر العربي يستقي بجذوره الأصيلة، من التجربة العالمية الجديدة، ما ينعشه ويقدمه ويمكنه من التباري، مع تجارب الشعر العالمية.

 قريبا، وقريبا جدا، سيتحدث العالم عن وحدة الشعر العالمي. وقد نرى من تجارب الشعر العربي، ما يمكنها التحليق معه في سماء واحدة.

فوحدة الإنسانية قادمة، بكل علومها، وبكل فنونها. ولا يمكن للشعراء العرب، أن يكونوا خارج التاريخ، مثلما ما هم عليه الآن.

  فالشعر العربي الذي يعيش في خيمته القديمة، يجب عليه أن يشقها كما تشق الشرنقة. وأن يطير منها إلى  سماء الشعر العالمي، ولو تأخر عنه إلى يوم قادم، أجزم انه سوف لن يكون بعيدا.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *