لا تصدموهم

خليل الخوري 

 

لقاء بعبدا ترك انطباعاً مريحاً لدى الرأي العام. هذه حقيقة ملموسة أول بوادرها تمثّل في تراجع الدولار نحو ثلاثة آلاف ليرة. ولا شك في أن الرئيسَين ميشال عون وسعد الحريري لمسا هذه الحقيقة مباشرةً وأدركا ما يعني لقاؤهما للناس. هذا قبل أن تظهر البوادر الإيجابية على الأرض، فكيف لو أدّى الاجتماع اللاحق المُقرر يوم الإثنين المقبل، وأيضاً في الأيام القليلة التي تليه، إلى تشكيل الحكومة المنتظرة منذ خمسة أشهر ونيّف؟.

في تقديرنا أنه ليس في مقدور أحد، بعد اليوم، أن يتحمّل مسؤولية عرقلة تشكيل الحكومة، بعد هذه الأشهر الخمسة العِجاف، التي انهارت فيها أوضاع لبنان بسرعةٍ صاروخيةٍ غير مسبوقة. فإعلان الفشل، لا سمح الله، سيكون هذه المرة كارثياً بكل ما للكلمة من معنى.

فمن هو المسؤول صاحب السطوة الذي سيُعلِن، أو سيُعلَن عنهُ، أمام الملأ أنه وراء العرقلة؟ إلا إذا كان فاقداً حتى أدنى قدرٍ من المسؤولية الأخلاقية والوطنية.

ما نقوله للمسؤولين مباشرةً عن التأليف نقوله، أيضاً، لغير الرئيسَين عون والحريري، إذا كان هو المانع لوصول سفينة الحكومة المُرتقب تشكيلها إلى برّ التأليف، إن بوضع شروط عُرقوبية أو بأي سببٍ مانعٍ آخر.

فماذا يُمكن أن يشكّل دافعاً للتأليف أكثر من حال الإنهيار التي وصل إليها لبنان في الحقول كافةً والمجالات كلّها والمؤسسات والمرافق الرسمية والخاصة قاطبةً؟

ماذا يُريد مُعرقلو التأليف أكثر من إقفال 600 صيدلية أبوابها في العاصمة والمناطق والمدن والبلدات، ليتحرّكوا بقوّة وجدّية نحو تسهيل التأليف؟

ماذا يُريدون أكثر من هجرةٍ جديدة، غير مألوفة عندنا، تتمثّل في نزوحٍ شبه يوميّ للأطباء اللبنانيين المهرة الذين هم أحد أبرز عناوين لبنان المُشرقة.

ماذا يُريدون أكثر من الجوع الذي طرق كلّ بابٍ تقريباً؟

ماذا يُريدون أكثر من الأدّلة كافةً على أن الفشل في تشكيل الحكومة سيؤدي حكماً، هذه المرّة، إلى ارتفاعٍ في الدولار بقفزاتٍ خُرافية، ليصل في الأيام الأولى إلى نحو ثلاثين ألف ليرة لبنانية، من دون أي أُفقٍ لوقف القفز؟

لا نود أن نسترسل في الأسئلة، فقط نرغب في أن نتفاءل (ولو بكثيرٍ من التحفّظ) في زمن بات التفاؤل من سِمات الماضي، مثله مثل الإزدهار والبحبوحة وسعة العيش الكريم والسياحة التي كانت ناشطة، إلخ…

أجل! نودّ أن نتفاءل. فحذارِ أن تُصيبوا العباد بالصدمة الكُبرى، والبلاد بسقوطٍ لا قيامة بعده.