قراءة في قصيدة” أفتش عن باقة ورد”  لـ جميل ميلاد الدويهي

Views: 744

د. جوزاف ياغي الجميل

 

الحب والأم صنوان لا يفترقان. فهل تكفي باقة الزهر هدية لسيدة ربيع الحياة؟

بين الأم والوردة لقاء ونقاء.

الأم وردة الزمان، وما بعد الزمان. في يديها رقة الوعد، وحنان الوجد، ولطف السناء.

الوردة أمّ بستان الحياة. في وريقاتها دفء الندى، وصفاء النداء.

وأفتش…يقول الشاعر جميل الدويهي. عم يفتش الشاعر؟ وأين؟

أيفتش عن الورد، أم الحب في لحيظات البرد، أو عن جنون إيمان باركته السماء؟

يفتش عن باقة قطفتها الروح، والجروح، وأنامل الإله.

إنها باقة الوعد يطفو على سطح المياه.

في البدء كانت الأم. وأم الكون نور لا يضيء فرح الكون سواه.

هي الحكاية ترويها شهرزاد. والعمر يزداد. ولا عمر لنا، في الحياة، وما وراء الحياة، عداه.

قصص البطولة تروي الأمُّ، فيزول الهمُّ، وتمتلئ بالخير الحياه.

ذكريات يستعيدها الشعر، بل حلم راود الأشجار والبحار؛ أي حلم لم تبح به الشفاه؟

في صورة الأم، في شعر الدويهي، رمزان متوازيان: الأشجار رمز الوطن، وأشرعة الصيادين رمز الهجرة مطبوعا على الجباه.

جذور الوطن تمتدّ في عمق المسافات، إلى ماض عميق الجذور، إلى حنين الصبا، في مداه.

أما الأشرعة فهي جمع تكسرت القلوب على خطاه. أشرعة اقتلعت شجيرة الشاعر من أرض صباه.

عميق حزنك، أيها الدويهي،  عمق حبك للأمّين اللتين هجرتهما مرغماً فكان حنينك الراسخ في الأعماق هو الصلاه.

في قصيدة الدويهي ثنائية النور  والظلال، الغربة والوطن، البحر والأرض.

الوطن/الأرض/ الظلال صور طبق الأصل عن الحياة التي يشتاقها السندباد. حياة هي الأمّ يهديها الشاعر قلبه، فائق حنينه، والشوق. يفتش من أجلها عن ورود الحب باقات وطاقات.

ولكن الأم/ الوطن/ الأرض الآن فقيرة ومشردة، تطعم أولادها من كبدها الجريح بحراب العقوق، وما من شفوق.

وطن الشاعر امّ عارية إلاّ من الحب، رداؤها القهر، وسياط الجلادين الصفيق.

أية حرقة يطلقها الشاعر الدويهي، من أعماق جرحه والمأساة؟

بل أي جرح لسندباد تحطمت في قوارب رحلته الطويلة الأشرعة والمرساة؟

هي الغربة الرياح تسير بزورق عمر الشاعر. قنديله الديوجيني شاحب، تكاد تنطفئ فيه  شعلة الرجاء.

أتكون رحلة الشاعر لعنة تحاكي لعنة أوليس؟

تتجدد الثنائيات في القصيدة. يصبح الوطن أرض الميعاد، والغربة عالما من رمال وصحراء. والشاعر بين فردوسه المفقود وغربة الجليد يعود تحت وطأة اللعنة إلى أصله القديم، إنسانا من طين، تمثالا من حجر يشبه تمثال زوجة لوط لأنه نظر إلى الوراء، إلى أرض طفولته الغراء. وفاضت في مآقيه الدماء.

حزن الشاعر الدويهي مضاعف لأنه فقد أمه الحقيقية والوطن ولم يستطع حضور الجنازتين. يتمه مزدوج وعميق الجذور لأن البحر الذي يفصله عن العودة واسع وكبير، وقد ابتلع بينلوبي الشاعر وأجمل الذكريات. أما ورد الحب فقد تحول، في إحساسه المرهف المرهق، إلى غبار وهباء.

جميل ميلاد الدويهي، أيها الشاعر المسكون بالحب إلى أقصى حنين الدهشة، ورود شعرك هي سفينتك إلى أمك والوطن. وباقة الورد التي تفتش عنها مزروعة في عمق أعماقك ولن تموت، لأنها ورود الحب. والحب خالد لأنه الله.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *