من يشرح لي الشعر؟ من يكتب لي قصيدة؟

Views: 5

أنطوان يزبك

 

عندما نقرأ الشعر، نسافر في أبعاد ونطرق دروبًا غير ملموسة، نبحث عن نبض ألِفناه في حياة من حلم؛ ثم نعود ويصدمنا الواقع، ورتابة الأيام ولكن لا نلبث نجدّ حثيثًا لكيما تتواصل في نفوسنا عملية البحث عن معانٍ ليست سوى انعكاسات كما نريد أن نراه ونحبّ أن يكون لدينا، ربما هي بقايا من لاوعينا أم ذكريات جميلة من طفولة أَفَلَت وزالت إلى الأبد!!.. 

ريلكه

 

فنون القصائد الحديثة والنصوص الشعرية المعاصرة!

ها هو الشاعر الإشكالي ريلكه” يقول في “رسائل شاعر شاب”:

“النوايا النقدية بعيدة عني، كلمات النقد لا تمسُّ إلا قليلا الأثر الأدبي: إنها توصل تقريبًا، دومًا إلى سوء تفاهمات”.

نفهم من هذا الكلام أن “ريلكه” يعرب عن تحفظه وريبته من النقد الأدبي، فهل تبقى المعاني والمقاصد معلّقة في خزانة الزمن إلى أبد الأبدين؟!

وجد النقد لكي يشرح القصائد أم ليزيدها إبهامًا؟ يقول رولان بارت عن الشعر الكلاسيكي إنه ليس سوى “زينة” للنثر؛ أي بمعنى آخر الشعر هو تقنية ووسيلة للتسلية، ويقول بارت أيضًا إن الشعر هو “معادلة تزيينية” Equation décorative،  لكن ثمة مناخات مختلفة حول الشعر، وطرقًا أخرى لرؤية وفهم اللحظة الشعرية والاستمتاع بها ولو اقتضى الأمر ولوج عوالم الجنون واللاواقع؛ يقول “طلال حيدر”: 

“المجنون تصعقه دهشة العالم الذي دخله فلا يمكنه أن يخرج منه، أما الشاعر فيدخل ويدهش بالرؤية التي رآها هناك في الجنون ويخرج ليخبر عنها”.

هذه الكلمات تعبّر عن ماهية الشعر أسمى وأبلغ تعبير، وتعبر بنا إلى عالم الشعر الرائع من دون مواربة وكثرة زخارف وتصنّع، حيث عامل الدهشة يكون هو أجمل ما نستطيع الوصول إليه، وأبلغ تعبير عن الشعر واللحظة الشعرية!!

ألبرتو بلانكو

 

يقول الشاعر المكسيكي ألبرتو بلانكو لصديقه الشاعر دافيد ورتا ما يلي: “إذا كانت القصيدة عصفورًا فالموسيقى جناحه الأيسر والرسم جناحه الأيمن، والشعر ليس العصفور وإنما الطيران!!”

ما أجمل هذا الكلام، الشعر هو طيران، إقلاع في الفضاء الرحب، وهل من جمال يضاهي طيران العصافير!؟.. الحرية التي يتمتع بها العصافير هي عينها التي يتمتع بها الشعر، لكن ثمة من استغلوا هذه الحرية فأنشأوا شعرًا غريبًا، هجينًا، أحاطوه بالطلاسم والعبثيات وترداد الكلام، حتى صار هذيانًا، وفقد بوصلة المعنى وضلل معه كثرًا، ومنهم (الشعراء بالمنّة) دخلوا إلى دهليز ليس سوى متاهة الهوى والغوى، وظنوا أن من يحوّلون الكلام إلى صناعة يومية وفرض واجب وضرورة وكثافة وكثرة وكميات لا بل أطنان من القصائد، هم شعراء، وإذا جوبهوا بحقيقة غيّهم وضلالهم حنقوا وحردوا وتحوّلوا إلى غاضبين! والمقصود هنا ليس فقط شعراء القصيدة الحرّة بل أيضًا شعراء الأوزان والتفعيلة والقافية، أصحاب الشعر المكرّر، الممجوج، الشعر القائم على كليشيهات عفا عليها الزمن، شعر يعيد ويكرر ما تواصل كثر على إعادته وتكراره عشرات الألوف من المرات. 

بوب مارلي

 

لا أعلم ماذا دها هؤلاء إلى زج أنفسهم في عالم الخديعة والرياء ولكن يقول بوب مارلي مغني الريغي الذي ألهم عشرات الألوف من شبان العالم: 

“يمكنك أن تخدع بعض الناس في بعض الأحيان، غير أنك لا تستطيع أن تخدع الجميع في كل الأوقات!”..

الشعر سيبقى دومًا مسألة قدسية، مهمة صعبة، التعامل معه يساوي عمل الصائغ وهو يرصّع الألماس والياقوت في أساور الذهب الصافي، مهمة تراعي الدقّة إلى جانب الترهّب والتفاني والعمل الدؤوب، احترامًا للكلمة وسمو القصيدة ومكانتها من النفس والروح والعقل..

اعتقد اليونان قديمًا أن بداخل الإنسان شعلة نار متقدة وظيفتها توليد طاقة الحياة، ويأتي التنفس ليخفف ويمنع من اشتعالها..

بظني أن شعلة النار هذه ليست سوى عبقريّة الشعر، والعقل هو من يتحكّم في مسألة اشتعالها، فإذا خرج من طور التحكّم، طار الشعر إلى رؤوس  الجبال محلقًا وما عاد ثمة ما يلجمه أو يوقف اتّقاد سعير ناره!…

(https://lapeerhealth.com/)

Comments: 1

Your email address will not be published. Required fields are marked with *

  1. أنت خير من يشرح لنا الشعر، يا أستاذ أنطوان، وكتاباتك، الصادقة الهادفة، فيها تحليل وافٍ لنواحٍ انسانية عدّة، بلمعة الشعر وإحساس القصيدة!