“هموم لبنانية”

Views: 264

خليل الخوري  

 

تلقّيت، أمس، من الصديق العزيز الدكتور قاسم الصمد كتابه القيّم «هموم لبنانية / بين مُغالبة السياسة وغلبة التاريخ». والأخ، الدكتور قاسم، بحّاثة فهّامة في علم التاريخ، خبيرٌ في شؤونه وشجونه، وبالتحديد تاريخ هذه المنطقة المُضطربة دائماً وأبداً بما فيها لبنان.

هذا الكتاب القيّم ليس مجرّد بحثٍ في التاريخ، ولا هو دعوةٌ إلى العيش في طيّاته، والعكس صحيح، إنما يتناول شؤون لبنان الحالية وإسقاطها على العِبر والأمثولات الكثيرة التي يُمكن استخلاصها من الحِقب التاريخية المتعاقبة.

وأكتفي اليوم، بإقتباساتٍ من المقدّمة والخاتمة لما فيهما من تحليلٍ عميق، وإن مُختصراً، لما عايشه لبنان والمنطقة من أحداث، ولما وصلنا إليه بسبب «عدم الاتّعاظ من عِبر التاريخ وأمثولاته».

صحيح أن هذا الكتاب مجموعة مقالاتٍ يبدو كلٌ منها مستقلاً عن الآخر، إلا أن ثمّة خيطاً، ليس رفيعاً، يجمع بينها.

يقول الدكتور الصمد أن محتوى كتابه «يضجّ بهمومٍ وطنية أربكت واعتورت مسيرة الكيان اللبناني ورافقته منذ إعلان قيامه في أيلول 1920، ولمّا تزل تتآكله وتنهش فيه وتتسبب به (تناوباً وتراكباً وتوازياً) مصالحُ الدول، غربيّها وشرقيّها، العدو منها والشقيق، والما بينهما، كما مطامح القيادات والزعامات، النزقة، الشبقة، المتزئبقة، كما تناطح قطعان رعايا الطوائف، العاجزين أو المعجَّزين عن التحوّل إلى مواطنين، القابعين في غياهب جهالاتهم وطائفياتهم…».

وفي الخاتمة، يقول: «فقد بات أوجب الواجب على أهل الضمير والحس الوطنيين، وهم خميرة كل أمّة حيّة تأبى الموت، أن يسرعوا إلى تدارك أوضاعنا المنهارة التي يتخبّط في فوضاها ومتاهاتها لبناننا الكبير، وأن يسعوا في صياغة مبادراتٍ وطنية تؤمّن عملية العبور التاريخي من دولة فوضى الزعامات وكفرها، إلى دولة الإنسان والقانون، كما توقظ الرعايا المُستهبلين من استكانتهم وتقضي على أمراء المراعي السياسية الذين أفضت زندقتهم إلى إكساب أسنانهم الماضغة قدرةً هائلة على التحوّل السريع إلى أنيابٍ ناهشة».

ويختم «الخاتمة» سائلاً: «هل أفل زمن رجال الدولة الأفذاذ، ممن ندر حضورهم في التاريخ اللبناني المعاصر، الذين طالما دأبوا على صيانة الدولة وإرساء تقاليد احترام القانون والحفاظ على التنوّع وانتهاج الحياد الإيجابي الحافظ لكينونة لبنان».

إن تناول هذا الكتاب يقتضي دراسةً أوسع كونه يتعمّق في قضايا ومسائل بالغة الأهمية، ما يستغرق وقتاً طويلاً ومجالاً رحباً لا تتسع له هذه العجالة.

وعلى أمل أن أعود إليه في وقتٍ لاحق، أختم بالدعاء الذي ختم به الصديق العزيز الدكتور قاسم الصمد: «حمى الله لبنان من اللبنانيين».

(الكتاب منشورات مؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية – طباعة دار البلاد -إخراج Impress – يقع في نحو 370 صفحة قطعاً كبيراً)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *