كانوا هنا ورحلوا

Views: 404

د. جان توما

بعضهم ودّع حيّ “الخراب” ومضى إلى الديار السموية العامرة،

وبعضهم حزم حقائب الهجرة وجلس في غربته يعدّ الأيام للعودة، لكنه خرج من حيّ “الخراب” ولم يعد.

عاشوا في” الخراب” لكن قلوبهم كانت عامرة بالفرح رغم مأسي الحرب، واشتداد الرياح في المصائب والحروب.

كان رغيف الخبز الواحد يكفي الأسر الكثيرة هنا، وكان كوب ماء يسقي آلاف العطاش المارّة إلى أصقاع العالم.

في هذا ” الخراب” حلّت جاليات عبرت إلى جهات الدنيا من أشوريين وكلدان وأرمن وسريان وأكرات( من جزيرة كريت) وغيرهم، وكغيرهم رسموا سكّة حديد لقطار الرحيل ولوّنوا جناحَي طائرة ” وركبوا عربيات الوقف وهربوا بالنسيان”.

كان شريانهم ينزف وهم يلقون نظرة الوداع على حجارة الدار قبل أن تبرم الدنيا بهم وتنهار.

تعود السنونو إلى أوكار ذكرياتها تحت حبّات القرميد التي طيّرها إعصار العمر. تسقط القلوب بين شقوق الحجارة القديمة رسائل حبّ وخلجات شرايين.

تطلع الدفاتر العتيقة كما تطلع الشمس من وراء الحجب. يرسم الزمن الجميل صور أبواب المحلات الخشبيّة التي حزّ عليها بسكين الزمن أسماء من مرّ هنا: فكتور  والواوي وبندلي ونعيم وشاطرية وبولس، والخال، وباسيلي، ويعقوب المصوّر الأرمني، ونيني وعطالله والدقور وكوزما وغيرهم.

مدّ ” الخراب” يده إلى علبة الألوان، وأعاد وجوه الراحلين، وأودعها قلوب الناظرين.

( سوق الخراب) للمهندس جورج انطون بندلي

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *