بين الحب والأنانية… خيط رفيع

Views: 644

أنطوان يزبك

يقول فوفنارغ Vauvenargues إن الإنسان من دون شغف، يشبه ملكًا من دون رعايا. ولكن نرى إلى مشاعر الحب والشغف والتعلق، آراء مضادة فها هو إيمانويل كانط يجد في الشغف والتعلّق الغرامي “مرضًا في الروح”.

في غمرة هذا الذوبان الجارف للعاطفة والأحاسيس الأكثر تطرفًا؛ شاهد علماء النفس في الانحراف وراء الأهواء والغرام الشديد، ما يدفع إلى المخاطر والسقوط إلى أدنى مكان، لا بل فقدان الذاتية واندحار الكرامة الإنسانية. هذه هي حال المقامر وشارب الخمور وعاشق المال وحتى زير النساء!..

يبقى السؤال: هل حبنا عادي، جارف، أم مرضي، أم بارد كقطعة من جليد؟

هل يجدي أن نضع درجات للحب؟

إيمانويل كانط

 

ما هو واضح وبحسب علم النفس والتحليل النفسي: أن من يقمع شغفه وحبّه الشديد يدخل في دائرة شيطانية من الكبت المرضي، كما إنه يعرّض صحته النفسيّة لمخاطر شديدة وكذلك يعرّض الآخرين للضرر والإساءة وصولا إلى الجريمة.

لا شيء يلغي أحاسيسنا، إذا لم يكن نابعًا من هذه الأحاسيس عينها، ولا حب يلغي الذات لأنه ينبع منها، فهل مشاعر الحب ليست سوى نتيجة لحب الذات؟! هكذا نيتشه يجد في رجل يقع في غرام امرأة، فحين يتوقف سيّال هذا الحب الأناني تنتفي دوافع الحب وتخبو نوازعه!

كانت النساء تتهافت على اللورد بايرون في صالونات الأشراف ومحافل الأدب، وكان اللورد بايرون يغدق على كل امرأة فيضًا من الأشعار والرومنسيّات الخلابة فتشعر كل واحدة أنها الوحيدة في حياته، لا قبلها ولا بعدها، ليتبيّن بعد ذلك أن الكلام عينه يصلح لسيّدة أخرى وهكذا دواليك. اللورد بايرون يتبجّح بقوله: “من الذي لم يكتب لإرضاء النساء؟”

اللورد بايرون

*

ومن حوادث الغيرة الشديدة التي حصلت مع اللورد بايرون، تلك الحادثة مع “كارولين” الفاتنة، حين دخل اللورد إلى حفلة راقصة فوجد نفسه وجهًا لوجه أمام كارولين التي أخذت تنظر إليه بذهول. ثم بدأت الحفلة الراقصة وشعرت كارولين بصداع فانسحبت إلى غرفة جانبية، دخل إليها اللورد بايرون وهو يتأبط ذراع امرأة أخرى وحين رأى كارولين قال لها: لقد أعجبت بجمالك، فتناولت سكينًا عن المائدة، لكنه قال لها ببرود: “اضرعي يا عزيزتي اضرعي، ولكن إذا أردت تمثيل مأساة رومانية فعليك أن تطعني قلبك لا قلبي. الذي طالما طعنته!” وقيل إنها حاولت الانتحار بقطع شرايين معصمها…

الحب يلعب ألعابًا خطرة وفيه من القهر والعذاب الشيء الكثير؛ ها هو رياض المعلوف يقول في قصيدة “تحدثني” من ديوان “غمائم الخريف”:

تعذبني وتضحك من عذابي/ وقلبي لا يريد هوى سواها/  عساها لي تلين وتصطفيني/ وأنعم قربها فرحًا وعساها/ فأعصابي محطمة وأني/ أعيش على هواها في هواها/ كأني قارب في البحر يسري/ بعاصفة بها الملاح تاها…

رياض المعلوف

*

كل هذا الحب، وكل هذه النزعات الجارفة تقابلها من ناحية أخرى طاقة جارفة ليست سوى تلك التي تنبع من الأنانية، الأنانية الكامنة في داخل الإنسان والتي يقول عنها لاروشفوكو: “الأنانية كريح الصحراء، إنها تجفف كل شيء!”

فهل يوجد أسوأ من كل هذا الجفاف؛ وهل ثمة أوجاع ومعاناة، تفوق ما يشعر به الإنسان حين يسجن روحه في قاع الأنانية، ها هو شوبنهاور الذي عزف عن الزواج لعقدته الدفينة من وجهه الدميم يقول:

إن الأنانية تثير قدرًا من الرعب، بحيث أننا اخترعنا السياسة لإخفائها ولكنها تخترق كل الحواجز وتفضح نفسها لدى كل مصادفة.

نعم في عالم اليوم ضاعت رومنسيّات الحب في مجازر السياسة!!..

 

Comments: 1

Your email address will not be published. Required fields are marked with *

  1. بين الحبّ والأنانيّة كلام شيّق غنيّ للأستاذ يزبك، يضيء في تحليله واستشهاداته، ويربك في صراحته المعهودة، فتراك تطرح التساؤلات الفورية على نفسك: أين أنت، في المحصّلة، من الإثنين؟