الكوخ الصغير

Views: 550

د. جان توما

قال صاحبي: أعطني كوخًا كهذا وخذ ما تراكم من بيوت في الناطحات. هنا السحاب أحلى، والمصطبة تنادي المُتعَبين. هات من الدنيا بعض حجارتها تتراكم كوخًا بهندسة غير محدّدة، وخذ الخارطة والمسطرة والمساحات والقياسات.

يتابع صاحبي: هنا أنت لا تذكر اسم اليوم ولا الشهر ولا السنة. هنا تفقد الساعة عقاربها كي تبقى أليفة العمر. ما للأزمنة تسقط هنا بضربة شمس في العراء كي يبقى الزّمن واحدًا متشابهًا لكنّه يحمل المساحة الأرحب والمطلّ الأزرق.

ما بال اليمام يأتي ليلعب أمام العتبة. يستظلّ أوراق نبتة نسيها الزمن على مطلع درج؟ ألعلّ لليمام يبحث عن مرقد لأجنحته بعد عناء سفر؟ أم هو يبحث عن راحتي حبيبة وقفت هنا يومًا، أطعمته فتات خبز ثم غادرت كما تهجر العصافير الأوكار، ليصير الصمت سيّد سطوح القمر، في أغنية يغلغل الريح فيها. يجرح الناي الموال بصوت مبحوح: “فيك صمتي وفيك نطقي وهمسي، وغدي فى هواك يسبق أمسي”.

كان الأمس هنا يلهو بالنجوم. أثقلت الأحلام عينيه فغفا فتثاءبت النسائم فجرًا عند عتبات الأكواخ المنسيّة.

يسأل صاحبي عن الذين سكنوا الأكواخ، عن هناءتهم، عن قناعاتهم، عن هدوئهم وسكينتهم. إن جلسوا عند مدخل الكوخ، كان لهم الفضاء غطاء ومعطفا وقبعة ، وإن ولجوا الكوخ ملأوا زوارقهم قوارير أحلام تصير أشرعة، في إبحار لا رصيف له ولا مرفأ.

ينهي صاحبي: أنت تجلس على مطلع درج حجري، ترقب الكون، تتلمّس سلالمه العابرة القلوب والكلى، ترى في كلّ درج خطوات تخترق الخواء إلى عجقة الأقدام. اعبر خفيفًا كما تعبر جسر الأماني. كن على ثقة أنّ المصطبة ليست العالم، وإن ركن إليها الزوّار والسمّار.

خذ مفتاح الباب، افتحه، أعبر، اخرج …إلى العالم.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *