وطن الأحفاد

Views: 12

د. قصي الحسين

( أستاذ في الجامعة اللبنانية)

 لو أيقن السياسيون اللبنانيون، أن لبنان وطن الأحفاد، لما أقدموا على تخريبه. لما أقدموا على حرقه. لما أقدموا على بيعه. لما أقدموا على إستنزافه: حجرا وبشرا وثروة.

 لو أيقن اللبنانيون، أن أحفادهم سيلعنونهم، لما فعلوا بوطنهم ما فعلوا. لتراجعوا حتما عن إقترافاتهم الجسيمة، بالتواطوء مع الغرباء. (https://experience.afrotech.com/) وبالتواطوء مع المخربين. وبالتواطوء مع الأعداء، ومع غير الأعداء، من جميع دول العالم، لغاية نبيلة،  لحفظ الكيان.

  أزعم أن اللبنانيين، ساسة وقادة وموظفين ومواطنين عاديين، غفلوا جميعهم، أو غفل الجم العظيم منهم، أن لبنان لأحفادهم، أكثر مما هو لهم.

  منذ تأسيس الكيان، لم يحملوا لبنان وطنا نهائيا لهم على محمل الجد. كانوا يرون في مهاجرهم أوطانا بديلة لهم. كانوا يتهاونون في وجه الطامعين به. كانوا يعقدون الصفقات على تراب لبنان وعلى أجواء لبنان وعلى بحر لبنان. كانوا يبيعونه لأول من يريد شراءه. ولا يعرفون أنهم يبيعون بذلك، تراب وطن مجبول بعرق الأجداد، وبدماء الشهداء. لا يعرفون أنهم، إنما يبيعون وطن الأحفاد.

 تقاتل اللبنانيون لمئة عام، على تنزيله، على تأويله، على تطويعه،  كما يتقاتل أشرس البرابرة. خاضوا فيما بينهم أشد المعارك. هدموا مدنهم بأيديهم. هدموا قراهم بأيديهم. رفعوا الحواجز بين مناطقهم. حملوا الأعلام الفئوية والحزبية والطائفية، وما توحدوا خلف علم البلاد،  علم الأحفاد.

 ما كان اللبنانيون، أو العدد الجم منهم، أمينا على مستقبل البلاد، على مستقبل الأحفاد. كان جل همهم، أن يجدوا وظيفة يكسبون بها. أن يجدوا نيابة أو وزارة أو رئاسة، يسطون عليها. ينهبونها، كما اللصوص والشطار والعيار. ثم يخطبون في سوق العيارة وعينهم، على ما تبقى من ثروات البلاد.

 هدر اللبنانيون مئة عام، دون أن يتنبهوا إلى ما تقترفه أيديهم من جرائم، بحق أحفادهم. فما وقف واحد منهم أمام مرآة الزمان، أمام مرآة البلاد، وحاسب نفسه بما فعل بالعباد.

 ما ساءل المسؤلون أنفسهم، عن وطن أضاعوه، طيلة مئة عام. ما ساءل المسؤولون أنفسهم، لماذا لم يحافظوا عليه مثل الرجال. ما فكروا ولو للحظة، أنهم يعتدون على حقوق الأجيال القادمة، في أن تجد وطنا لنفسها تستظله، حين تشتد عليهم عوادي الزمان.

 ما أيقظتهم عبرة. ما أيقظتهم ثورة. ما هزت ضمائرهم مؤامرة، ولا هجعتهم حملة. غفلوا عن كل شيء. تغافلوا عن نهب الوطن، وما علموا أنه حق لهم، ولأبنائهم وأحفادهم من بعدهم.

  كانوا سادرين مغفلين، تمر الصفقات فوق رؤوسهم، وما يشعرون.

  لا يجد الأحفاد اليوم، وطنا لهم. أضاعه آباؤهم وأجدادهم منذ زمان بعيد، ولا يزالون يضيعونه كل يوم. يشفق العالم عليهم، وهم يتعاركون كل صباح مثل الديكة. وتعلو أصواتهم على بعضهم مثل الديكة. وينتفون ريش بعضهم مثل الديكة. ولا يلتفتون إلى أنهم على مزبلة. وأن المنزلة من المنزل. وأن المكانة من المكان. نسوا حتما كل معادلة.

 ما إتقى الله، اللبنانيون، معظمهم، في وطن يهدمونه كل يوم أمام عيون أحفادهم. ” قتل الإنسان ما أكفره”.

 ما حسبوا حسابا للعنة الأجيال لهم. سادرون في غيهم، ولا يزالون. والوطن يساقط حجرا حجرا ، طوبا طوبا، يساقط بحرا بحرا، بعد فراغ الأرض من وحشه، بعد فراغ البحر من حوته،  بعد فرار الطير من سمائه.

 لبنان وطن الأحفاد، لا وطن الأحقاد. فمتى يكف السادة الساسة، عن التغافل عن وطن يموت، قبل أن يخرج الأحفاد من المهاد.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *