آهٍ يا حُبّ!…

Views: 398

لميا أ. و. الدويهي

 

حين يَضجُّ أنينُ النَّاس في أعماقِكَ، تخالُ نفسَك في انسلاخٍ عن الحَياة… قد تكون بخير، قد تستطيع المساعدة وتسعى إليها، إلَّا أنَّ أصوات القهرِ والظُّلمِ التي تتردَّدُ في حنايا العالم تبلغُ مسامعَ عُمقِكَ… أنتَ تعمل للخير وآخرون كذلك وآخرون أيضًا وغيرهم وغيرهم… إلَّا أنَّ صَريرَ النُّفوسِ المُتألِّمة تطغى… فالعالم كلُّه يَئنُّ…

هناكَ مَن يئِنُّ لفراغٍ يعيشُه، فالإنسانيَّة لم تبلغْ ذروتَها في عُمقِهِ أو أنَّهُ حتَّى لم يدنو من أطرافِ معانيها…

هناك المُنغمِس في أنانيَّتِه، يخافُ أن يخسرَ ماديَّات الأرض لأنَّه فارغٌ وفقيرٌ من الدَّاخل…

هناكَ مَن هو ضائعٌ في مَساعيه ويتمثَّلُ بصورٍ واهيةٍ، وهميَّةٍ، لا تشبهُ الحياة بمفهموِها الحقيقي بشيء ولا تدنو حتَّى من أسوارِها…

هناك مَن يُجاهِد ساعيًا إلى مُستويات يظنُّ بأنَّها ستُبهِجُهُ وتُضفي عليهِ رونقًا جديدًا وكأنَّهُ سيدوم إلى الأبد وهو وإنجازاته ليسوا سوى غبار في الوجود وزائل…

هناكَ مَن يُحابي الوجوه…

هناكَ مَن يُساعد بهدفِ أن تعلمَ يسارهُ بما فعلتْهُ يُمناه

وهناك أوجهٌ تتقلَّبُ بين هذه كُلُّها ولا تملكُ من الإنسانيَّة ذرَّةً، وأسوأ منها مَن يُتاجرُ بالإنسان على جميعِ الأصعدة… ولا أنوي الغوصَ بأنواعِها لأنَّ مُجرَّدَ ذِكرِها يُحرِّكُ في العُمق خليطًا من المشاعر تتراوح ما بين شعور بالاشمئزاز والانتفاضة على بشاعةِ الأمر والألم لمُصاب مَن انزلقوا بدونِ إرادتهم وانحدروا إلى مُستويات لا تليق بقيمتهم الإنسانيَّة… ولن أستطرد… ففي العالم ما يؤلمُ بعدُ أكثر…

أمَّا مَن يسدُّون آذانهم عن أوجاع وآلام وجوع النَّاس خاصَّةً الأطفال والرُضَّع، ويُعاملون الأفراد وكأنَّهم شحَّادون يستعطفون الإنسانيَّة علَّها ترفعهم إلى رُتبتها، بينما قيمتُهم فيها هي منذ البدءِ عطيَّة مجانيَّة من الخالق، تليقُ بقلوبهم أكثرَ مِمَّن جعلوا أموالهم ربًّا لهم واستعاضوا بها عن خالِقهم وإلههم وتناسوا أنَّ سِرَّ عظمةِ هذه الإنسانيَّة تتجلَّى في الخدمة النابعة من سُلطةٍ واحدة هي سُلطةُ المحبَّة… فهل نعرفُ اليوم قيمةَ الحُبّ؟… هل تمسَّكنا بهِ لأنَّهُ وحدهُ يُحيي قلبَ الإنسان ويجعلهُ يخفقُ بالحياة ويردُّ إليه فرح الوجود وجماله؟…

آهٍ يا حُبّ!… كَم أنَّك تحتاجُ للحُبّ كي تنشرَ ذاتَكَ من حَولنا، فتُعزِّي القلوب وتُنعشَ النُّفوس وتردَّ القيمة للإنسانيَّة المطعونة بحربةِ الموت والقهر والذُّل والانهيار والبشاعة…

هيَّا إلى الحياة!… إنَّكَ المُعجزة… إنَّكَ الوجود!… إنَّكَ الحياة!… أُنفُض هذا الكون وردَّ إليهِ بهاءَهُ الأوَّل، فأنتَ قد خلقتهُ للحُبّ… أنا أعلمُ عِلمًا يقينًا أنَّ تردادَ اسمِكَ وحدهُ كفيلٌ بإيقاظِك في القلوب… فاستجِب يا حُب، إنِّي أُناديك: حُب… يا حُب!… يا أيُّها الحُبّ!…

إنِّي أَسمَعُ وقعَ خطواتِكَ… في قلبي… وطالما أنَّكَ هناك، سأُغنِّيكَ، سأَحياكَ، سأُبشِّرُ بكَ، سأنقلُ بسماتِكَ وألوانِكَ إلى كُلِّ مَن رغِبَ وشاء! فلاسمِك مَجدٌ لم يَعرِفْه سواك ومَن هواك وشرَّعَ لكَ أبواب الرُّوح لتَعُمَّ الكونَ من هناك، من سُكناك، من قلبِ الإنسان…

٣ /١ /٢٠٢١

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *