سهيل إدريس (1925-2008)… الغائب الحاضر الروائي والناشر والمعجمي

Views: 759

سليمان بختي

مضى 13 سنة على نعاسه ولم يزل حاضرا. كان عنوانا في مدينته ووطنه وقنطرة للعالم العربي في مجلة الآداب ودار الآداب.

 اتسعت همة سهيل ادريس (1925-2008) لآمال كثيرة فاشتبكت في حياته سيرة الروائي والناشر والمعجمي والصحفي. والاهم ان حياته الغنية بالجهود والدلالات لبثت امينة لاحداث العصر وروحه والتزام قضايا المجتمع في اطار الفكر القومي.

د. سهيل ادريس

 

عرفت الدكتور سهيل ادريس في لقاءات قليلة مطولة وكانت كافية لانعقاد صداقة واحترام عميقين. اذكر في اوائل التسعينات انني اقترحت على الشاعر الكبير شوقي ابي شقرا – المشرف على الصفحة الثقافية في النهار آنذاك- فكرة اجراء حوار مطول مع سهيل ادريس بمناسبة خمسينية مجلة “الآداب”. فاستحسن الفكرة وشجعني. واذكر كيف ارتبك ادريس واستغرب في البداية ان تبادر “النهار” بهذه اللفتة ومن موقع ثقافي مختلف، وهو العارف ان بين “الآداب” ومجلة “شعر” ما صنع الحداد، وكان شوقي ابي شقرا احد اركانها.

شوقي ابي شقرا

 

اخذنا الحوار الى نواح كثيرة. حاججته باسئلة كثيرة فاستعان باوراقه القديمة وبإحالات لمراجع تدعم وجهة نظره. ولبث بفصحى ازهرية يدافع عن كل اتهام بثقة ورباطة جأش وهدوء  وبنفس علمي واضح. حكى لي عن بداياته الصعبة، وانه كان رجلا فقيرا لم يستطع السفر لاكمال الدكتوراه الا بمنحتين من وزارة التربية وجمعية المقاصد وكان يرسل قسما من هاتين المنحتين الى عائلته في بيروت.

وعن صعوبة تأمين التمويل لاصدار مجلة “الآداب” . وانها حين صدرت ارادها منبرا للفكر القومي العربي، وهكذا كان. واستمرت وبقيت “الآداب” مجلة الضرورة والثبات والمدافعة والالتزام. وان تكون مرآة احوال عصرها وشاهدة على الوقائع والتحولات في حياتنا العربية. ضحكنا حين سألته عن غلبة المواضيع السياسية في المجلة فاجاب:” لا تنسَ ان “الآداب” امتياز سياسي وليس  ثقافيا”.

سماح ادريس

 

 كان يحلو له ان يستعيد ما قاله الشاعر محمود درويش ذات مرة: ” كنا نتقاسم “الآداب” كما نتقاسم رغيف الخبز والزنزانة”. وكان فرحا بان ابنه سماح يحمل على كاهله الشاب اعباء المتابعة.

سألته عن صداقته الاثيرة لسعيد تقي الدين فالتمعت عيناه بالذكرى والحنين، ولم يفض. تأخر سهيل ادريس في متابعة وتعزيز مشروعه الروائي، واحسب انه كان يفضل لو تتيح له الحياة الانصراف الى الرواية والقصة. الا انه انصرف الى العمل المعجمي في “المنهل” بعد هزيمة 1967 حتى ينهمك وينسى المأساة. تحدث عن رواية يعدها بعنوان “الهزيمة والنصر” وكان بدأ يكتبها في العام 1967 ثم توقف. كانت احوال الامة تثير في قلبه الحزن والشجن. بعد تلك المقابلة احببت ان اودعه حمّلني محبته لشوقي، ولا تنسَ ان تبلغه ان مرجعنا هو الجاحظ. ورد عليه شوقي “لا بل ان مرجعنا هو ابن المقفع”.

محمود درويش

 

واليوم لا شيء دار ولا غبار. رأى سهيل ادريس الدنيا في طلعاتها ونزلاتها. والناس في الوانهم ومثالبهم. تذكر الرسالة الجميلة التي  كتبها الى جانبي بطلة كتابه “الحي اللاتيني”. احب كثيرا الكتاب ورائحة الاوراق مثلما احب مدينته بيروت وبحرها الجميل. لم يتعثر سهيل ادريس ابدا باحلامه بل خاطب فيها المعاني العميقة والقيم السامية التي لا تحول ولا تزول بل تغدو ايقونة على صدر ذاكرتنا والوطن والايام الآتية.

 نتذكر سهيل ادريس ونرفع له التحية على الحصاد الكبير ونعتذر من روحه لان مجتمعنا لم يفه حقه ولم يقدره حق التقدير.  

       

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *