غسان مطر… لا شعر خارج الجنون

Views: 1079

وفيق غريزي

شاعر حملته السياسة، والتزامه السياسي الى البرلمان، فهل ثمة تعارض بين الشعر والسياسة؟ الشعر ليس خيارًا، انه قدر، ولد معه ورحل معه وقد يبقى به، السياسة هي الاختيار. وقد تتعدد خيارات المرء وتتبدًل. السياسة قد تلهي الشاعر عن موعده مع العشق، ولكن الشعر هو الابقى والامثل، من هو هذا الشاعر – النائب؟ انه غسان مطر…

خارج الأسر الشعرية

 إن الشاعر غسان مطر ضد اعتبار أن الشعراء أسر شعرية، وهو يعتبر أن لكل شاعر صوته الخاص، وعناصر تجربته الخاصة، وان كان يتاًثر في بدايات تكوينه بمحطات شعرية معينة، ثم يتطوًر متلاقيا مع كثيرين من بني جيله في حدود الموضوعات وليس في حدود التجربة. ففي المبداً يرى الشاعر مطر ان هذه التصنيفات هي سجون للشعراء. واذا كانت تصلح للتدريس في منهجة الشعر عبر التاريخ، فهي لا تصلح لتكون دليلا لتحديد هوية هذا الشاعر او ذاك، ويعترف بانه متاًثر الى حد بعيد بشعراء عرب تراثيين من امثال: المتنبي، وابي تمام، والبحتري، وابي نوًاس، وبالقرآن الكريم، ونهج البلاغة، وبكل هذه الفرائد النادرة في تاريخنا العربي. ومن الطبيعي كشاعر حديث ان يكون مطر في بداياته ماًسورًا أو مهتمًا بشعراء كالسياب وادونيس، ولكنه لا يعتبر نفسه منتميا الى اسرة معينة او مدرسة شعرية معينة، لأن له ما يميزه عن هوًلاء شعريًا، حتى ابناء جيله وابناء تجربته، فلكل واحد منهم مذاقه ونكهته وخصائصه.

 

الهموم الفكرية والادبية والانتماء

استيقظ جيل غسان مطر على احداث كبار، هزًت منطقتنا وشغلت العالم، وتأتي في مقدمة هذه العناوين “المساًلة الفلسطينية” وانعكاساتها على جميع المستويات: سياسيا واقتصاديًا وفكريَا وثقافيًا. وكان لابد من ان يتاًثر مطر وجيله تاًثرًا مباشرًا وكبيرًا بهذه الانعكاسات، وأن تكون ردود فعلهم شعريًا بمستويات مختلفة ردًا على هذه الانعكاسات.

وفي هذا المجال يقول غسان مطر في احدى جلساتنا: “الجيل الذي جاء بعدنا كانت له الهموم نفسها، لأن المشكلات المعقدة التي واجهناها نحن ظلًت من دون حلول، وبالطبع كان لابد للجيل الذي جاء بعدنا من أن يكون مشبعا بهذه الحالات الدموية العنيفة، التي ضربت مجتمعاتنا وانساننا. طبعا، قد يختلف اسلوب التعبير بيننا وبين الجيل الذي جاء بعدنا، بمعنى أننا كنا اكثر مباشرة واكثر حدًة في التعاطي مع المسائل السياسية، الفكرية، لانها لم تكن بعد قد نضجت في الاذهان وفي النفوس وفي الاخلاق. “. ان الجيل الذي جاء بعد جيل مطر ورث هذه المشكلات، ولكنه استطاع ان يكون اكثر رمزية وشفافية، ولكن لا يستطيع مطر ان يعتبر ان منطق الاجيال يمكن ان يسود في الشعر، ومع ذلك اكد ان شعره ورفاقه في مواجهة هذه التجارب، كان شعرا مباشرا او مسطحا. وهذا طبيعي ليس في شعبنا فحسب، بل في كل الشعوب التي واجهت مباشرة مشكلات حادة لها انعكاسات معقدة على مجتمعنا وعلى حياتنا، بهذا المعنى ان شعر مطر وشعراء جيله كان في مواجهة النكبات والهزائم كان شعرا يعتمد على الشعار لمواجهة الازمة. بينما الشر الذي جاء بعدهم كان اكثر رمزية، اي اعمق تجربة، اكثر انصقالا في مواجهة الازمات، مستفيدا من هذا التراث الذي امتد حوالي عشرين او ثلاثين سنة على مستوى الشعر، وعلى مستوى تفاعلات الازمات في مجتمعنا.

 لا دور للعقل في الابداع

التجديد الشعري يقتضي تفجير اللغة وكشف اسرارها، وهذا ما دعا اليه بطريرك الحداثة الشعرية يوسف الخال، أما غسان مطر فقد قال: “اذا كان المقصود بتفجير اللغة الخروج من المباشرة الى اللامباشرة فهذا يعني الدخول العميق والصحيح في عالم الشعر وليس تفجيرًا للغة، درج شعرنا حتى مطلع هذا العصر على استخدام المصطلحات النثرية للقول الشعري، وكل الشعر الكلاسيكي في العالم يستخدم المصطلح النثري في الشعر. ومع نشوء النظريات النقدية الحديثة من الدادائية والسريالية وما تبعهما، كان هنالك اصرار على كسر هذا القالب النثري، باعتباره لغة العقل، وبين الشعر والعقل يقول غسان مطر: “طلاق، واللجوء الى لغة الهواجس، الى الهذيان المصفًى، الملطًف، الى النفس وجنونها، باعتبار ان النفس هي مقلع الشعر”. لم يتم تفجير اللغة، لا تم التخلي عن صيغ عقلية في الشعر، لتبني صيغ وجدانية – هذيانية.

 اذا كان هذا المقصود من تفجير اللغة، فمطر يوافق على انه لابد للشعر الحديث من التجديد، من ان يتخلًى عن الصيغ الشعرية القديمة، عن الصيغ العقلية في الشعر، ومن تبنًي الصيغ النفسية بكل تداخلاتها المجنونة – العاصفة – المعقدة. بكل غموضها، اذا صح التعبير، لان الشعر في نظره هو انفجار عفوي داخلي يجب ألا يكون للعقل فيه اي دور.

ثمة عالمان متناقضان في الكتابة، الاول عالم العقل، عالم الرواية والمقال وكل ما يتطلب تنسيقا ووعيا. هذا العالم كان يستخدم شعريا. اليوم، بيد العلوم النفسية الجديدة، والنظريات النقدية الجديدة، واكتشاف الاوقيانوس الرهيب في المشاعر، بعد دخول على النفس كجزء اساسي او كعنصر اساسي، من عناصر حياتنا وفكرنا وثقافتنا، وجدنا أن الشعر له لغة خاصة، كثيرون يعيبون على هذه اللغة غموضها وتعقيداتها، وذلك يرجع الى ذاكرتنا الثقافية، هذه الذاكرة تربًت على: “الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم “. يكتب الشعراء اليوم القصيدة الحديثة، مستخدمين لغة هذيانية لم تتعوًد ذاكرتنا الثقافية على مثل هذه اللغة، لا بد يقول مطر: “من مرحلة لتثبيت هذا المفهوم في الذاكرة. عند ذاك، بمجرًد الاطلالة على قصيدة حديثة يصبح من السهل فهمها وفك رموزها.

الشاعر والحقيقة

الشاعر غير مسوًول عن الحقيقة. لأن للشاعر حقائقه الخاصة، الحقيقة هي بنت الفلسفة، وهذه الحقيقة ثابتة للجميع، حتى الاسئلة الميتافيزيقية هي بنت الفلسفة وبنت العلوم وليست بنت الشعر. اذًا، الشعر لا يبحث عن الحقيقة. ولا يحاول أن يسبر غورها، انه يحاول أن يقول العالم او يقول الكون كما يتهياً له.

ويوًكد غسان مطر ” عندما ياًتيك حلم في لحظات غيبوبتك ونومك، هذا الحلم هو الحقيقة لانك راًيته، ولكن هذه الحقيقة لا علاقة لها بالحقائق الشعرية وعلى مثل هذه الاحلام يعمل الشاعر، وبالتالي نجد ان الخارطة التي يدور اشعر فيها هي خارطة خاصة، قلت حتى الاسئلة الكبيرة في الموت والحياة والاسرار والوجود، وكل هذه الاسئلة التي يطرحها الانسان باستمرار على نفسه وعلى الاخرين قد تشكل عنوانا للشعر، ولكن المقاربة من هذا العنوان مختلفة عن مقاربة الفلاسفة والعلماء ” الروًية بنظر مطر هي قراءت مستقبلية خاصة لحالة ما، واحدث ما، ويعتقد ان اي شعر لا يكون عظيما الا اذا كان روءيويا. في المدرسة الشعرية القديمة، كانت الفكرة وبمعناها المادي العلمي هي التي حولها ينسج الشاعر قصيدته. وعندما ناًخذ قصيدة كلاسيكية او رومنطيقية، فنحن نستطيع ان نحدد افكارها وان نناقش هذه الافكار. في القصيدة الحديثة لا وجود للافكار، لان الشاعر عندما يكتب القصيدة الحديثة، فانما تخاطب عالما في موجود، لم يولد بعد، بهذا المعنى، تصبح كمن يرهص بميلاد، يصبح كمجنون يهذي، ولكن هذا الهذيان قراءة فريدة للمستقبل، الا شع خارج الروًيا، خارج الحلم، خارج الجنون، كل ما يمكننا القبض عليه، على معناه وابعاده هو نثر، وكل ما يتملص من بين يدي الشاعر وفكره ويخترع له مكانا وزمانا خاصين به هو الشعر.

 

لا خوف على الشعر

يعتقد الشاعر مطر أن في كل عصر كان هناك الغث والسمين. وما نشهده اليوم ليس جديدا على اية ساحة ثقافية او شعرية او ادبية. في زمن المتنبي كان هناك الوف الشعراء سقطوا جميعا ونسيهم التاريخ وبقي شاعر العرب الاكبر منفردا، وكانوا يتطاولون عليه ويتناهشوه في كثير من المواقف.

 ومما لا شك فيه ان الفن لا يحلق الا بجناحين: العمل الابداعي والنقد. وفي هذا الشاًن يقول مطر: “بكل أسف اقول النقد غائب عن ساحتنا. النقد بمعناه الشمولي – العلمي – العميق. وليس النقد بمعنى المقالة التقييمية التي تصدر كل يوم في الصحف والمجلات، أنا لا اعتبر هذا نقدا “. وهذا منطقي، فالنقد علم متكامل، وثقافة، وذوق. ومثل هذا النقد غائب. واعتبر مطر ان: “مستوى الابداع متقدًم جدا عن مستوى النقد، بعكس بدايات القرن العشرين، كان النقد له عمالقته وله اسياده وله حضوره الكثيف والفعًال في الحياة الثقافية “ولكن اليوم انتقلنا الى التسطيح في النقد والى العلاقات العامة في النقد”.

الغربة والمراًة

وحول الشعور بالغربة خلال وجود الشاعر بين اناس لا علاقة لهم بعالم الشعر والشعراء، قال: “هوًلاء الناس هم مادة شعري. سواء اكانوا في البرلمان ام في الشارع، لا شيء مثل الانعجان بالناس، حيث يعطيك غنى في التجربة. الحياة لا املك وحدي اسرارها. ثمة اشارة من شحًاد في الشارع خلقت امامك شرارة قصيدة كبرى “لا غرابة بين البشر، قد تكون بين الشاعر وبين كثيرين حواجز على مستوى القناعات والثقافة والمواقف،. ولكن هوًلاء هم مادة شعره.

 أما بالنسبة إلى المراًة وما تعنيه له، فيوًكد مطر أن احساسه بالمراًة يعود الى الحالة التي هو فيها: “المراًة الانسان شيء راق جدا.” ويعني هذا القول: :اننا لا نستطيع شعريا ان نقول ما يعجبنا في المراًة وماذا يلهمنا، فهذا يعود الى الحالة التي نحن فيها، وانعكاسات المراًة علينا”…

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *