رياض فاخوري… التغايرية مدينته الفاضلة

Views: 962

وفيق غريزي

 

شاعر ربطتني به صداقة عميقة منذ سبعينات القرن الماضي واستمرت حتى وفاته التي تركت فراغا كبيرا، انه شاعر رفض الحداثة والحداثويين، واطلق من دون نجاح كبير، نظرية شعرية تتواصل مع الماضي وتمتد الى المستقبل، هي التغايرية.

 شاعر ناقم على دعاة الشعر والشعرية (الشويعريون)، ويدعو الى الاصالة التي تراجعت في عصرنا الراهن.

 إنه الشاعر الصديق رياض فاخوري…

دعوته الى القصيدة التغايرية

على كل شاعر أن يعتمد نظرية شعرية معيًنة، وكل ما طالب به رياض فاخوري في تغايريته ثلاثية ركز عليها هي: الماضي – الحاضر – المستقبل. ويقول: “أنا لم انفصل عن الماضي يا صديقي، باشراقاته وابداعاته، وكذلك الأمر بالنسبة الى الحاضر وعلاماته المضيئة وصولا الى المستقبل، الذي احدث به، بولادته، لا معنى لي، اذا كنت شاعرا حقيقيا أن اكون مقلًدا للكلمة “، وانه لا يكتب قصيدته بـ “الموضة”. فالحداثة بنظره موضة، اي حداثة نريد اذا كانت هذه الحداثة لفظية؟ 

“المتنبي، الذي يحيا اليوم، هل هو سلفي؟ هل هوميروس الشاعر اليوناني الكبير سلفي؟”. 

هكذا تساءل فاخوري، الذي اكد أن الحداثة كلمة اكاديمية – تقميشية. علينا أن نتخلص من هذه الكلمة ونقول بالتواصل. يقول فاخوري  “التواصلية هي التغايرية، يعني زيادة القديم الى الجديد، أنا يا صديقي خلاصة تواصلية قامت في التغايرية”.

اذا، هو موجود في عصر يختلف في ادواته، وفي تعابيره، ولغته ومناحيه ومناراته. فلو كان المتنبي حاضرا اليوم معنا، هل يرتدي هذه الاشكال البائسة من الحداثة التي تكتب اليوم، أم يبقى على قصيدته التي كتبها منذ الف سنة او اكثر؟

 وعن كتابيه “هملت اللبناني في مملكة النساء” و”المستوحد”، والرابط بينهما وكلاهما يشكلان نمطا أعلى من الانماط البشرية، يقول: “لا اظن ان كتابيً نزعة أعلى من الانماط البشرية، الكتاب الأول ابحث فيه عن طفولتي، أكتب سيرتي الذاتية، من خلال مدينة بيروت، عشت فيها زمنا وتفجرت في الحرب، ولكن بصياغة شعرية”.

 وهو يكتب الرواية الشعرية، وعندما يكتب الرواية الشعرية يركًز على المنحى الشعري واللغة الشعرية. في المضامين هي واقعية، بمعنى أنها مرتبطة بالآن، بذاكرته وذاكرة الآخر. هو ولد في بيروت الماضي. في “هملت اللبناني”، نوع من الشهادة لبيروت واعلان عصيان مدني. أما كتابته عن الذين قتلوا هذه المدينة فهناك طفل ينمو في بيروت، وعندما تشد بيروت الخناق عليه، يهرب الى الجبل ليقيم علاقته مع شجرة “التوت” “بحيث أن شجرة التوت لا تحمل مدفعا، لا تقتل، لا تخطف، إنها تستقبل العصافير، لدرجة أنها تحوًلت الى انسان، الى امراًة. 

ولقد اقام رياض فاخوري عهدا بينه وبين هذه الشجرة (مدينته الفاضلة). 

اما “المستوحد” كتابه الثاني فهو نوع من السيرة الذاتية غير المعلنة، ويكمل في نواحي من نواحيه مسيرته من الولادة الى الآن، لكنه كتاب الانسان الكامل، وهو كتاب التواضع البشري. ويقول فاخوري في ذلك: “أنا اسعى الى كتاب يدافع عن الفقراء، عن المعوزين واليتامى، هو قصيدة لبنانية مكتوبة بالنثر لماًساة الشعب اللبناني، لذلك المستوحد هو نوع من الاصوات الخفية، او نوع من عظة الجبل الجديدة، التى ترى الجمال لتسقط البشاعة “. المستوحد ينعزل عن توحًده ليعيد اكتشاف ذاته وبالتالي اكتشاف العالم…

اللغة – المراًة – النقد – والهموم

يعتقد رياض فاخوري أن لغته جديدة ومغايرة ومختلفة تماما عن لغة الماضي، ويقول: “لا يمكنني أن اتحدث كثيرا عن اللغة، لأن هذا دور الناقد، واعتقد باًن صوري جديدة “، وهذا القول يعني أن كل شاعر يكتب صورا جديدة هو جديد، وفاخوري لا يشبه في لغته ما يقوله حول الحداثة والمحدثين.

 والمراًة والطبيعة تحتلان حيًزا كبيرا في نصوصه الشعرية، وتمثل المراة لديه خيبة مستمرة، لأنها تظللنا جميعا. ومن المعروف أن الحركة النقدية عاجزة عن مجاراة الحركة الابداعية شعرا ورواية، وازاء ذلك يتساءل رياض فاخوري: “هل هناك نقد؟ هل هناك حركة نقدية؟ من يكتب النقد هو الشاعر نفسه، وأنت من هوءلاء يا صديقي، ليس هناك صدق في نقد المبدع أو في نقد الناقد، هناك علاقات عامة”. لذلك كل ناقد يبحث عن ليلاه. المبدع يبحث عن ليلاه، ويختلط الحابل بالنابل، لأن زمن الصدق في الكتابة قد ولًى، ليس هناك طه حسين او مارون عبود. هناك مافياوات تتعامل مع بعضها بعضا (حك لي، كي احك لك). 

بداً يرفض تسمية نفسه شاعرا، لانه يفتش عن نفسه علًه يكون افضل من شعراء اليوم، الذين هم اكثر من الهم على القلب، سقط كل شيء، فمن هو الشاعر؟ 

إن الساحة فيها كثير من الشعراء وقليل من الشعر…

تخلف الشعر العربي الحديث والثورة الشعرية

في الاطار التاريخي الفاجع، يتخلف الشعر العربي الحديث، ودلالة ذلك انعكافه على ذاته مجترًا أحزانه وجراحه الداخلية، وداخلا عما يحيط به في تعويض اغترابي. وفي هذا الصدد يقول رياض فاخوري: “الشعر شعر منذ القدم حتى آخر شاعر موجود على وجه البسيطة في العالم، واذا تم الاتفاق على أن الشعر شعر اختلف على طريقة الاداء الشعري، فأنا كما تعلم ويعلم الجميع خارج الاطر الشعرية، اوًمن بوجود الشاعر. فالشاعر هو الذي يخلق القصيدة او الشعر “. اضافة الى ذلك فالتسميات التي درج على اطلاقها الشعراء الذين يزعمون انهم روًاد حداثة او روًاد لغة قصيدة، وفاخوري لا يعتقد بان هذه الدعوة التي بثوها في الروح الجديدة للشعر العربي، هي دعوة متماسكة او قائمة على ثابتة لغويا – ابداعيا – وتعبيريا. ان الشعر شعر حتى لو كتبه اي شاعر من شعراء العرب القدماء، فأي قصيدة وقفت في وجه الزمان كما كتب المتنبي ونسميه كما نشاء، وجل ما يريد رياض فاخوري هو ابداعا في مستوى الشعر. والحقيقة، الشاعر يشبه صوته، وصوته هو الذي يقرر هل هو يعيش في القبور ام يعيش في المستقبل. نحن نكتب يعني اننا نحارب العدمية. نكتب لا من اجل الحداثة ولا من اجل ان تشبه قصيدتنا من يكتب من حديث، الحديث اللفظي. والحداثة من وجهة نظر فاخوري مشروع ناقص، لذلك علينا ان نصحح الكلمة ونبداً بوجود الشاعر. الشاعر هو المهم.

 اعطونا شاعرا مبدعا بحجم المتنبي وخذوا شعرا، على حد قول فاخوري. هل يمكن اعتبار ابو الطيًب المتنبي شاعرا سلفيا؟ هناك شعراء اليوم يكتبون وهم تصح فيهم كلمة نصف سلفية، هم في القبور. موتى قبل ان يولدوا، انهم كما يقول رياض فاخوري: “يكتبون نماذج عفّا عليها الزمن، هي في الموت اكثر مما هي مائدة حياة، المتنبي يحيا في الزمان، أنا اركز على هذا الشاعر لانه هو العلامة الفارقة في الديوان الشعري العربي” وهنا لابد من ان نساًل، هل الثورية في الكتابة الشعرية حماية للموروثات وتطويرها، وتعميق الذاكرة التراثية، ام اضاءة الوعي النقدي واستيعاب المبدع؟. والجواب نسمعه لدى فاخوري حيث يقول: “كل شاعر مغيًر يحمل ثورته من ضمن لغته التعبيرية، ولا يمكننا ان نكون شعراء، في مستوى الشعراء، مستوى الابداع، الا اذا كنا على اتصال بالتراث”،  ويضيف “اذا كانت الثورية هي حماية الموروثات الشعرية، فاظن ان الموروث، اي موروث هو اسبق من اي ثورة، فالثورة هنا لفظية – شاعرية”.

 ولا شك ارتكازا على كلام فاخوري، ان كل شاعر مغير يحمل مضامينه التعبيرية، هو يرسم طريقا، يفجر اللغة، ويفجر الواقع ويعيد تركيبه بصورة جديدة، الشاعر الثائر، هو شاعر مرتبط ببيئته، باًرضه. وكم من الشعراء الثوريين عندنا؟ هل كل من كتب قصيدة سياسية يعتبر ثوريا؟ اذن، لقد درجت منذ سنوات القصائد السياسية، ودرجت تسمية الخطاب، اشكالية الخطابة الشعرية – السياسية، او اشكالية الالتزام الشعري، اشكالية النقد الشعري، فهذه الاشكالية التي ارتبطت بالخطاب السياسي، هي بنظر رياض فاخوري ساقطة، لأن الشاعر ليس مرتبطا بالثورة كشعار، انه مرتبط بشعبه، بجراح امته، بماًسي شعبه. انه ابن الحياة، والحياة ثورية. وبالتاًكيد أن تاًكيد رياض فاخوري الحياة. دوما في تغيير وتجدد، والحياة ايضا لا تشبه الا الحركة، أي ان الشعر عليه ان يتحرك من ضمن الواقع الذي تفرضه الحياة….

معنى الحداثة الشعرية

كثر من مدًعي الحداثة الشعرية، يجهلون معني الحداثة الشعرية الحقيقي، اما رياض فاخوري فله راًي خاص به، ويقول في هذه القضية: ” قلت في كتاباتي وكتبي إن الحداثة مشروع ناقص. وركزت على ذلك في كتابي عن مجلة “شعر” واسقطت هذه الكلمة، انا اثبت بكلمة التغايرية ضمن التراثية – التواصل مع الماضي. لا يمكنني ان اكون متواصلا مع ذاتي ومستمرا مع الذي انا فيه اذ لم اكن متواصلا مع الابداع الموجود في الزمن، او في ديوان الشعر العربي، لا يمكنني أن اعزل نفسي عن الماضي”. ومن الموًكد ان في العالم اليوم حضارة الماضي، فعلى الشعراء الذين يكتبون اليوم ان يستعيروا حضارة الماضي، ويقرأوا تراثهم، ففي التراث نماذج اكبر بكثير من نماذج الشاعر الفرنسي رينيه شار او آلن بوسكيه او سان جون بيرس، وتجربة رياض فاخوري الشعرية نابعة من ارضه، من عالمه العربي، فالشعراء الغربيون يتاًثرون بالشعر العربي منذ القرن الثامن عشر، ويعيدون التجربة التي كتبها فاخوري، كما كتب ابو نواس او الاسدي، وهو، اي رياض فاخوري، يندهش ازاء هذه الكلمات الغرائبية، الغرائبي ليس شعرا، كل سوريالي مرتبط باندريه بريتون وسوبو، ليس ابن هذا التراث، ولدى العرب تجربة صوفية، ولديهم ايضا سريالية تخصهم، فبقدر ما ترتبط بعالمنا بقدر ما يكونون حقيقيين. وهم تصح فيهم كلمة نصف سلفية، هم في القبور، موتى قبل ان يولدوا، انهم يكتبون نماذج عفى عليها الزمن، هي في الموت اكثر مما هي وليدة حياة، المتنبي يحيا في الزمان، وأنا اركز على هذا الشاعر لانه هو العلامة الفارقة في الديوان الشعري العربي”.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *