خليل روكز في قصيدته: يا حب! إضاءات وتعليق

Views: 1007


بيار أديب ضاهر

يا حب ياما في زماني كفرت فيك
وكنت انظر ليك نظرة احتقار

هكذا يفتتح الشاعر الزجلي الكبير خليل روكز قصيدته حول موضوع الحبّ والمحبّة، ممثّلاً نظرة عالم اليوم إلى العاطفة، حيث أصبحت مرادفاً للضعف والسخافة وقلّة الشأن… لكن ما السرّ وراء “محرّك” الحبّ كما يصنّفه علم النفس كواحد من الحاجات الغرائزيّة الأساسيّة المشتركة بين الإنسان والحيوان، بالإضافة إلى محرّكات غريزيّة أخرى هي الأكل والشرب، والنوم والراحة؟ ماذا يدفعنا نحو الحبّ والتعلّق بشريك والزواج وانجاب الأولاد؟ أهي فقط الحاجة لتأمين استمرار النوع البشري بين سواه من الكائنات الحيّة؟ ما هو دور الحبّ في حياة  الإنسان، قلب الفلسفات، وعلّة العلوم الوضعيّة والإنسانيّة، ومحور الأدب والشعر وغاية الأديان المتنوّعة؟ أسئلة وإن حصلنا في سعينا على بعض إجابات حولها، تبقى تطرح نفسها باستمرار موضوعاً جديداً متجدّداً، كيفما تغيّرت الأزمنة أو تقلّبت حالات البشر.



  فهنا يضيف الشاعر، في سياق قصيدته، أن لا أحد يحبّ حقيقةً سوى نفسه، ولا يحبّ في غيره سوى مصلحته هو وغايته وآماله، في تفسير مادّي للعاطفة يجنح إليه، مُغرقاً في تصويره والتأكيد عليه؛ ليعود ويعبّر من ثمّ عن توبته عن ضلاله الذي طال، وإيمانه المستجدّ بدين الحبّ واعتناقه له:

آمنت فيك يا حب يا شاعر عطوف
يا اله الحق ع جبال الضمير
يا صورة الواقع بعين الفيلسوف
ويا خيال النور في حلم الضمير

  يُطرح سؤال هنا: هل تكفي معرفة الذات والآخر لتحديد حقيقة الإنسان الداخلية وكشف غوامضها؟ وهل من سبيل لنا إلى ذلك، نحن المبحرون في خضمّ حياتنا الصاخبة، المتسارعة الخطى دوماً، نحو المجهول ربّما، أو العدم؟ يبقى الشعر مَعين التعبير الحُرّ والتساؤل الدائم عن كلّ قضايا الإنسان، إذ يضيف خليل روكز صوراً شعريّة رائعة يصف فيها مركزيّة الحبّ والمحبّة في الحياة والوجود ككلّ، فيعتبرهما قلب الكون وسرّه ومحرّكه الأساس؛ فلولا الحبً للشريك، والمحبّة للبنين، لما قدِرنا على تحمّل عناء الحياة وأعبائها وتعب العمل ومعاكسة الآخرين لنا وتغيّر الظروف. ويؤكّد الشاعر أنّ الحبّ هو أساس الحياة، في وجوده وتحقّقه ضمانة العقل والوعي وسعادة الإنسان، وغيابه، أو الفشل فيه، هو سبب الاستلاب وغياب الوعي والضياع، فهو كل همّ كما هو كل المهمّ:

لولاك بالأشجار ما كانو الغصون
حملو البرد والريح كرمال الثمر
لولاك ما في سكينة ولا جنون
ولا هموم ولا حياة ولا بشر


ويختم شاعرنا قصيدته مخاطباً الحبّ، متسائلاً عن سرّ اختفائه واحتجابه طويلاً عنه، ليعود ويطلّ مظهراً نفسه من خلال نظرة واحدة، بعد أن كاد عمره ينقضي، فيحوّل حياته جذريّاً، بعد العبث والفراغ، نحو الحبّ الجدير بكلّ عاطفة وجهد، في صور معبّرة تشبّه الحياة بنور السراج وزيته، والموت بالنوم والنعاس، وريّ التراب بالدموع علامة الحزن والتعب في الحياة عبثاً دون نتيجة، والحبيبة بالورود العطرة التي بات يسقيها باقي عاطفته الجيّاشة:

شاعر سراجو كان بلش ينطفي
وعينو عزمها النور ع فراش الخلود
وعيت جفنو بعدما تلاشى وغفي
يلملم دموعو اللي سقاها للتراب
ويجمع بقايا عواطفو ويسقي الورود

  خليل روكز، الشاعر المبدع، الذي عالج في قصائده قضايا الإنسان بعمق فلسفيّ قلّ نظيره، رحل باكراً، إنّما يبقى بيننا من خلال ذكراه الحلوة وأشعاره الخالدة.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *