“قطوفٌ دانيّة..من الشّعرالإسبانيّ والأمريكيّ اللاّتينيّ المُعَاصر”

Views: 829

د. محمّد م خطّابي*

صدر مؤخّراً عن دار خطوط- وظلال للنشر والتوزيع والترجمة التي يوجد مقرّها في عمّان بالأردن، والتي ترأسها الدكتورة هناء عليّ البواب كتاب جديد فى هندامٍ قشيب بعنوان: (قطوف دانيّة .. من الشعر الإسباني والأمريكي اللاّتيني المعاصر) من إعداد واختيار وترجمة عن اللغة الاسبانية، الكاتب والمُترجم المغربيّ محمّد محمّد خطّابي، يتضمّن الكتاب خمسين قصيدةً من الشّعر الإسباني والأمريكيّ اللاّتينيّ المُعاصر،وتزيّن غلاف الكتاب الخارجي “سيّدات بوتيرُو” وهي لوحة مشهورة للفنّان التشكيلي الكولومبيّ العالميّ فرناندو بوتيرو المعروف برسوماته ،ولوحاته، ومجسّماته الضّخمة في مختلف أنحاء المعمور .

وتعود القصائد المختارة والمترجمة في هذا الإصدار الجديد لشعراء مرموقين من كلّ من : اسبانيا، ومن المكسيك، والأرجنتين ،والبيرُو ، والتشيلي، والأرُوغواي،ونيكاراغوا، وكوبا وسواها من مختلف بلدان أمريكا اللاّتينية الأخرى، مع  تقديمٍ شاملٍ وموفٍ  للمُترجم عن مختلف القصائد المُدرجة في الكتاب ، وعن الشّعر،وذويه، وناظميه، وقرّائه، ومذاهبه، وعن كلّ ما له صلة به وبعوالمه .

باقاتٌ نضرة وقطوفٌ دانيّة

يشير المُترجم في هذا التقديم : ” يقدِّم هذا الكتاب للقارئ الكريم باقاتٍ نضرةً ،وقطوفاً دانيةً من قصائد مختارة بعنايةٍ فائقة لمبدعين ومبدعات من مختلف البلدان الناطقة باللغة الإسبانية في (إسبانيا) وفى القارّة الأمريكية فى شقّها الجنوبيّ المتراميّ الأطراف. إنها مختارات من روائع الشّعر الإسباني – والأمريكي اللاّتيني المعاصر ننقلها عن لغة سيرفانتيس التي أصبحت من أكثر اللغات الحيّة إنتشاراً في العالم اليوم إلى لغة الضّاد، إنها إبداعات متعدّدة المشارب، ومتنوّعة المذاهب لقصائد منتقاة لابدّ أنّ القارئ سيتلقّفها بشغفٍ، ولهفةٍ، وشوْق لأنّها – فى معظمها – ستنقله إلى ماضي الأندلس الفيحاء ، أو إلى ربوع إسبانيا، أو إلى مختلف أصقاع بلدان أمريكا اللاتينية على وجه العموم التي تربطنا وإياها أواصر وثقىَ فى مختلف المجالات التاريخية، والثقافية، والأدبية، واللغوية، والإبداعية، إذ بين هاذين العالمين العربي- والأمريكي اللاّتيني اللذين يبدوان لنا وكأنهما متباعدان جغرافياً صلاتٌ عريقة ، وتأثيراتٌ عميقة حضارية، وثقافية،وتاريخية،واجتماعية،وفى مختلف مظاهر الحياة، والعيش، والمعمار، والشّعر،والموسيقىَ، بل بينهما تشابه، وتقارب، وتدانٍ فى مختلف مظاهر الحياة، فضلاً عن روابط الدم، والعِرق التي تمتدّ إلى ما يزيد على خمسة قرون منذ سقوط آخر معاقل الحضارة الإسلامية فى الأندلس وهي غرناطة في يد الملكيْن الكاثوليكييْن فرناندو وإيزابيلاّ عام 1492ووصول الاسبان في نفس هذه السنة إلى هذه القارّة البكر التي أطلق عليها فيما بعد “إسبانيا الجديدة ” أو ” العالم الجديد”.”

الشّعرُ صعبً وطويلٌ سلّمُه

 ويضيف المُترجم: ” موضوع هذا الكتاب الأساسيّ هو الشّعر،ولقد تجشّمنا فيه عناءَ ركوبَ صِعابٍ ليست بالهيّنة، فإذا كان قرض الشّعر ليس بالأمر اليسير كما يرى غيرُ قليلٍ من الباحثين والنقّاد، فإنّ ” ترجمته” أو “نقله” من لغة إلى أخرى ربّما كان أكثرَ صعوبةً، وأشدّ تعقيداً،وأبعدَ مراماً من نظمه، ونُذكّر فى هذا المضمار بأبيات الشّاعر الحطيئة التي يقول فيها: الشّعر صعبً وطويلٌ سُلّمهْ / إذا إرتقىَ فيه الذي لا يعلمهْ.. زلّت به إلى الحضيضِ قدمُهْ / يريد أن يُعربه فيُعجمُه .!

ويقول أبو عبادة البحتريّ في ذات السّياق : الشعرُ  لمحٌ   تكفي  إشارتُهُ   /   وليس  بالهذْرِ طوِّلتْ  خطبُه. وقال شاعر آخر مُحقّاً  في نفس المعنى: إذا الشّعرُ لم يهززْكَ عند سماعِهِ  /  فليس حريّاً أن يُقال له شعراً . فضلاً عن ضرورة إجادة اللغة المُترجَم منها أو إليها إجادة تامّة، وهو الشرط الأساسيّ  للمشتغل فى حقل الترجمة والنقل ، ناهيك عن الحسّ الأدبي، والتذوّق الفنيّ اللذين ينبغي أن يتوفّر عليهما المترجم ، وفى ذلك يقول أحد الشّعراء : بقدرِ لغاتِ المرء يكثرُ نفعُهُ / وتلك له عند الشدائدِ أعوانُ.. فبادر إلى علمِ اللغاتِ مُسارعاً /  فكلّ لسانٍ فى الحقيقة إنسانُ “.

الشّعر مواجهة للواقع واستكناه لخباياه

وجاء في تقديم هذا الكتاب كذلك : ” ..الحديث عن الشعر – فى هذه الظروف العصيبة  والعصيّة  الرّاهنة التي يجتازها العالم اليوم – هو حديث عن الكوْن الهائل المُحيّر..عن عذابات النفس المكلومة التائهة في متاهات الحياة،عن الأوبئة التي تفتك بالإنسان بدون سابق إنذار،عن الأمراض المعدية،والجوائح اللعينة التي تأتي على الأخضر واليابس، وتذكّرنا بقصيدة ( الأرض الخراب) للشّاعر البريطاني-الأمريكي الذائع الصّيت ” ت. س. إليوت ” . إنه حديث عن مرابض الكينونة في تناوشً، وتشاكسٍ، وديمومةٍ متجدّدة. الشّعر هو اللغة في أرقىَ مظاهرها، هو تجسيد للكون وما يكتنفه من غموض، وتساؤلٌ واغتراب. هو ضربٌ من مناوشة الوجود. هو تعبير أفلاطوني، وهُوميري، ولَبيدي، وزُهيري،وعَلائيّ أزليّ عن توحيد الجزء في الكلّ والعكس. إنه دائم البحث عن القيم الجديدة. وهو ليس قصراً على التذوّق الفنّي أوالإحساس أو التسامر أو الإنطواء أو الإنتماء. بل هو مواجهة صريحة للواقع، واستكناه لخباياه،وسبر لأسراره، واستبطان لغوامضه وأغواره ، واستجلاء لألغازه ورموزه،وهو دعوة إلى العِناق بين مختلف شرائح وألوان وأجناس وطينات وجينات البشر، على الرّغم من التباعد والتنابذ اللذين يفرضهما قهراً وقسراً وعنوةً على أيّامنا الوباءُ المُرعب الرّهيب الذي مافتي يثقل كواهلنا، ويقضّ مَضاجعنا، ويُنغّص حيواتنا، إلاّ أنّ الليل الحالك المُدلهمّ مهما طال لابدّ أن يدركه صباحٌ مشرقٌ وضّاء “. 

مرآة الرّوح

ونقرأ فى الغلاف الخلفي للكتاب :” إنّ المُبدع الحقيقيّ لا يحيد أبداً عن حاجاته، ورغباته، وهوَاجِسِه، وهوَسِه الإبداعي شعراً كان أم نثراً أم تشكيلاً . ذلك أنه كلما ازداد عِلماً بعالمه المادّي كلما تعرّف أكثر على ضآلته وصِغره في هذا الكون،وعلى عظمة وجلال كلّ ما لا يعرف عنه شيئاً، ولا نجرؤ على التفكير فيه أو الخوض في غماره”. يرى الناقد المكسيكي “ساندرُو كوهين”:” الشّعر هو مرآة الرّوح في النفس البشرية،وهو الذي يعمل على تجلية وتنقية ما علق بها من صدأ وبلىَ،ويجعلها تشعر بالحنين إلى الحياة الأولى الحالمة الخالية من أيِّ أثرٍ للتيّارات المادية التي طغت وطبعت هذا العصر”. لقد تميّزت فنون القرن العشرين بالتساؤل المُستمرّ حول ماهية الفنّ ودوره في الحياة ،والبحث الدائم عن هويّته يتوازى مع البحوث العلمية والفلسفية في عصرنا ،إننا لا نستطيع أن نستمرّ في الكتابة حسب استاطيقا لم تعد لها صلة بالهموم الإنسانية، والقلق، والمشاغل التي تميّز هذا العصر. مع ذلك إننا ما زلنا نستمع إلى تعليقات من قبيل : “إنّ العالم  اليوم قد أصبح فظيعاً لدرجة أنه لم يعد هناك مكان للشّعر”، أوعلى العكس من ذلك : ” إنّها بكاملها،مشيتها،حديثها،بل حتى طريقة جلوسها،إنّما هي قصيدة حقيقية”.

***

 

(*) كاتب ومُترجم من المغرب، عضو الأكاديمية الإسبانية- الأمريكية للآداب والعلوم  بوغوتا كولومبيا.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *