“لبنان إن حكى”
سليمان بختي
في هذه الصورة اجمل ما اعطى لبنان ثمارا في الثقافة و الفن والموسيقى والغناء والسياسة. أو رمزية الصدق والشجاعة والأصالة والريادة والرؤية والحب واتساع الوعي واتساع الآفاق. فيروز وعاصي الرحباني وريمون اده. والمكان مدينة جبيل، مدينة الحرف. والزمان…
كان لدينا غنائية كبرى للفن والفرح والحياة. كانت مرحلة تاريخية نقية في السياسة والثقافة والمجتمع. ننظر إلى الصورة ونتمسك بها لئلا يضيع الماضي مثلما تسرب الحاضر وخامرنا الشك بضياع المستقبل. هل كان الزمن مختلفا؟ هل كان الزمن سائلا كاللجين ومضاءً على القامة والجبين؟
ولكن أبعد من الزمن الجميل والحنين والذكرى والطموح المستحيل لمغامرة لبنان. بل في قيمة الانسان في بلادنا الذي يسقي جذوة هذه البلاد من عمره وروحه وابداعه والهامه ويبدع من بلاده أحلاما جديدة في أي حقل وأي مدى وأي قضية. كأن يكون الحلم ممكنا والشعر مغامرة الحياة الكاملة والسياسة صناعة المصير الإنساني، والأمل شمس كل يوم، وبيروت فضاء للألوان.
أدمعتني هذه الصورة وأدركت أننا فقدنا كينونتنا قبل أن نفقد كياننا. وأننا فقدنا الذات قبل الهوية. كيف انحدرنا وهوينا من شاهق إلى دركات. ولماذا؟ ولأجل من؟ ومن يحلم بالمكان؟ ولكن الكبار عندما يذهبون- أطال الله بعمر فيروز- يأخذون معهم المكان والحلم. كأن عاصي وفيروز نسخا كلمات الأغاني والأنغام من نصاب بلد يحلم له ريمون اده وأمثاله بالخلاص والنهضة والحرية.هنا ريمون اده يجعل من النسق الأخلاقي مرجعا للوطنية والشأن العام وقيم الجمهورية النظيفة القائمة على مبادئ الحرية والدستور والسيادة والاستقلال، ولا هوادة.
هنا عاصي الرحباني بمواهبه المتعددة، أهم عبقرية مرت على لبنان منذ استقلاله. يرسم النغم والمهرجانات والحنايا. يصير الرمز.
هنا فيروز ترفعنا كل مرة الى ربى وتلال، إلى شعرية الصوت، إلى القصيدة، إلى سر الوجود. إلى لبنان نشتاقه كلمة من فعل الخلق وتكتبه الريح العنيدة . هنا الترابات من طيب وشذى. هنا السماء “جبل الغيم الأزرق ويا قمر الندى والزنبق” والناس “سواعد أهلي اللي عمروا”.
إزاء هذه العتمة الممتدة والوجوه الكالحة التي لا تطلع الا لتبشر بالأسوأ. إزاء الضعف والهزالة والهشاشة. أمام هذا الاهتراء الذي نلمسه كل يوم، وهذا الخراب المخيف السادر الذي يصنعه الفاسدون والخونة. الوطن أن لا يحدث كل هذا الذل الذي لا يتحمله بشر. كان لنا ذات زمان من يحلم لنا ومعنا بأجمل بلد وأحلى مكان والعمل لأجل بناء قيم للإنسان وليس العمل لأجل تحضير المؤامرات والكوابيس والحرائق والنفاق.
عندما رأى الزميل الكبير سمير عطاالله هذه الصورة قال:” لبنان إن حكى”.
ولكن أجمل ما حكى لبنان كان حين رفع الانسان اللبناني وطنه الى مرتبة الاغنية في كل مسعى ومآل وحركة.