جدّي وذئب – قصّة من ذاك الزمان

Views: 586

بيار أديب ضاهر

  مضى يومٌ جديدٌ في “شخنايا”*. هبّ جدّي إلى خارج الدار متلحّفاً بصوفٍ وبعباءته قاصداً “البريج”*. الليلة عند جدّي ضيوف: مختار المحلّة، قريبان له وطبيب القضاء. لكنّ الثلج يغطّي الحقول والطرقات ويجمّد الدمّ في العروق، فمن أين يأتي بخروف للعشاء؟! أوكلَ مواشيه كلّها لرعاة في البريج الموسم الماضي ليتفرّغ هو للزراعة ويلزمه اليوم خروف منها، فما العمل؟

–           هاتي الزاد يا مارينا!

–           مطوّل ت ترجع يا بطرس؟

–           برجع بإذن الله قبل ما تغيب الشمس.

وركب جدّي على بغل، تغرز حوافره في عمق شبرين من الثلج، يجدّ السير نحو البريج…

  غابت شمس الشتاء باكراً تلك العشيّة، أتى ضيوف جدّي، جلسوا والقهوة وأحاديث القرى، وجدّي لمّا يرجع بعد… جدّتي يساورها القلق: بطرس يعرف الطريق جيّداً ما بينخاف عليه (تقول في فكرها)

–           أمّي! تأخّر بيّي. بروح بفتّش عليه؟ (يسأل الوالد)

–           وين بدّك تروح يا أديب؟ في تلج والمشوار بعيد…

وتخفي دمعة عينها وقلقها بابتسامة مازحة – لكن ماذا لو أصابه مكروه؟ الدياب ملوا الطريق، والمعتّر جايب معه خروف…

–           هاي! مارينا! حمّي الموقدة! أنا جيت!

ركض الوالد وأعمامي ليروا جدّي والثلج على شاربيه، راكباً البغل ومعه خروف سمين في حضنه!

على العشاء يروي جدّي قصّة غريبة:

–           أنا وجايي بسمع عرير ورايي، بلتفت، بشوف ديب مكشّر ع نيابو وجايي ورا الخروف، بشدّ الحبل ت يصير الخروف جنبي، وبقول: يا عدرا دخلك! صلّي وما عدت اتطلّع ورايي…

وغصّ جدّي بدمعته…

لم تثلج تلك الليلة…

  وفي الصباح الباكر نهض الوالد والأعمام ليروا آثار أقدام الذئب على الثلج وراء آثار حوافر البغل… كانت لا تزال بادية للعيان!

***

** “شخنايا” و”بريج” قريتان من بلاد جبيل

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *