سجلوا عندكم

“والعمر شراع مسافر”

Views: 860

د. جان توما

لكأني جالس في الحيّ القديم الذي يتهاوى كما تتهاوى أوردة الذكريات،

أو لكأنّي جالس عند مصطبة ذاك البيت القديم الذي يترنّح كلّ يوم برائحة الياسمين وشجرة الزفير، وينال معموديته من سبيل الماء في حيّ السقايين.

راحت المصطبة إلى بالي، والياسمين إلى خيالي، والزفّير إلى حالي.

أيّة قصيدة تأتيك، وأنت مرميّ عند أبواب محلات الرزق يومها في الدرب المرصوف بالحكايات،

لكأنّك قافية أو رويّ أو شيء من معجم الحيّ المطرّز بالكلمات.

أنا في سوق الكتاتيب، في زاوية وتكيّة، دفتري مفتوح على المدى، ومحبرتي تلاعب المفارق والصدى. انتظر مرور الأمير هاشم أو مصطفى أو ميراي أو نيفريت أو عماد أو ندين أو رفيف أو بسام أو خالد أو غيرهم، بالعباءة الطويلة أو بالخمار الأسود، أصلي كي تعثر أرجلهم بدواتي الصغيرة، فتهتزّ محبرتي ويخرج منها الحبرُ كلمات ولا تعود.

أرقب الباعة المتجوّلين،

ألملم أبجديتي من قواميسهم ولهجاتهم،

ألمح العيون الجميلة من خلف المشربيات كجدائل قصيدة أغزلها بصنارتّين من تهجئة ورياح.

ما هذه الأمكنة التي تسكنك فتختصر الزمن وتلغي الأبعاد؟ كيف تصير شرايين الصياد المنتفخة في يديه شباك صيد ولياليَ إبحار؟ وكيف يصير الدعاء بالرزق صباحا ع لسان العمال اليوميين نشيد أناشيد الحياة في ذاك اللسان البحريّ؟

في هذه الأمسيّة كان صدف البحر يوسع الآذان نداء خفيّا، وكانت الحوريات يغزلن بأنوالهن حكايات مدينة لا تنتهي، لكأنّ شهرزاد ما أنهت جمع كبكوب الصوف وقد حمّلته، كجدّاتنا، معصمّي شهريار فكبّلته بما كان وبما هو الآن وبما سيكون.

كلّنا سادتي رسائل في قنينة مرمية في بحر العمرـ قد يلقانا شراع مسافر، وقد نتوه في غياهب الموج. سنلتقي عند شاطىء ما، تلفحنا أشعة الشمس وسفر الأيام، لعلّ الأحلام تلطف بنا في عزّ الحرّ، ولعلّ ماء البحر المرّ سيحلو، كما فعل المتكلمّون والرسّامون والمنشدون مشكورين هنا بكلماتهم وأصواتهم ورسومهم وقد خطّوا بالكلمة والصوت والريشة الأمل الآتي.

تحيّتي وشكري لمنتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحادة الثقافي ولرئيسته التي لا تتعب ميراي، وأقول لها: حين مررتِ أمامي في الحيّ القديم، أودعت جيب عباءتك حبّاتِ قمح ليمامٍ لم يهاجر بعد من شقوق قرميد البيوت المتهالكة، تصفحي جيب عباءتك أو بالأحرى بريدك الإلكتروني، بلغة اليوم، فستجدين مني نصوصًا لكتاب جديد، عنوانه يتأرجح بين “يا ورق الأصفر”، “سفر الزمان”، “ذَهَبِ النسيان” و”العمر الماضي”.

شكرًا للمنتدى وللمتكلّمين، والمنشدين، والفنانين،

والشكر للرابطة الثقافية…. وهو موصول برباط المودّة لكم ولحضوركم.

***

(*)  كلمتي في ندوة الرابطة الثقافية- طرابلس حول كتابي ” والعمر شراع مسافر”، بدعوة من منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحادة الثقافي السبت 10 تموز 2021.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *