الـ “غاردينيا” و… العين الفارغة

Views: 939

أنطوان يزبك

 

“لقد صُنع الجحيم وحُضّر لاستقبال الحشري المتطفّل” (مار أغسطينوس).

الفضول والحشريّة آفة وضرر، مرض نفسي أم انحراف اجتماعي؟ مريض الجسد يقتل نفسه.

 

في اللغة، الفضول هو حبّ المعرفة، هذا الحبّ هو على الغالب حبّ مفيد، لأنه يحفّز على الاكتشاف والاختراع، بيد أن  ثمة أنواعًا أخرى من الفضول لها وجه سلبيّ مستفزّ، يحدّد بـ “الحشريّة”، وهي مرض نفسي يصل إلى حدّ الهوس، يلغي الفرد ويعوّد ذهنه على البلادة والتفاهة، لينتهي بالحسد والحقد والخصومة، وصولا إلى العنف والجريمة!

بوذا

 

الحشرية… والأذى المباشر

لم يخطئ بوذا حين قال: “الحاسد لا يحصل على سلام النفس” ، وماذا لو كان الحسد يسبب خسارات فادحة!  يقول مثل إنكليزي: “الحشريّة قتلت الهرّ”، وهذا ما حصل فعلا مع سيّدة فضوليّة بدرجة غير محدودة، رأت ذات ليلة الأضواء تتلألأ في منزل جيرانها الأرضي المجاور، والناس يتوافدون بالعشرات، ففطنت أن الجيران يقيمون سهرة عارمة. اقتربت من سور الحديقة حتى تتلصص وتشبع نهم فضولها المرضي، لكن ارتفاع السور الاسمنتي حال دون قدرتها على أن تعاين ما يحصل في الحديقة وتراقب المدعوين، فتسلّقت أحد براميل النفايات علّها تحظى برؤية أفضل، لكن ما لبثت قدمها أن زلّت وسقطت سقطة مدوّية وأُصيبت بكسور وجروح بليغة، إضافة إلى أذى كبير في العمود الفقري ترتّب عليه علاجات مكلفة وألم مبرح من دون شفاء كامل!

هونوريه دو بلزاك

 

الحسد والعين الفارغة

يقول هونوريه دو بلزاك: “الحسد هو أكثر الرذائل سخفًا، إذ يستحيل الحصول منه ولو على لذّة واحدة”.

مع ذلك يكثر الحسّاد، وما قولكم بما يطلق عليه: “العين الفارغة” في التعبير المحلّي للدلالة على العين الحاسدة، كم من مرة اشترى أحدهم سيارة جديدة، وراح الجيران والأقرباء يطيلون التحديق بها ويبالغون في الكلام عليها وتفصيل محاسنها وقوّة محرّكها، لتمرّ الشاحنة وتسحقها، أو يصطدم صاحبها سهوًا بالجدار، فتتناثر قطعها المعدنيّة مثل الفوشار، في كلّ اتجاه!!

الشيطان خليل الحاسدين يتربّص بهم ليحقق لهم رغباتهم الشرّيرة!! مع ذلك يقول المثل “عين الحسود لا تسود”.

من عروس إلى حطب للموقدة

 

حشرية وحسد بلياقة وتهذيب

أخبرني صديقي المحامي أن على مدخل منزله الأرضي شجرة غاردينيا تتفتح أزهارها في الموسم في عرس لا مثيل له، ويصبح المنظر بديعًا ناهيك عن الرائحة العطرية الفوّاحة التي تطيّب الأنفاس!

كبرت الغاردينيا حتى باتت تستر المدخل من جهة اليسار، وتحوّلت حاجزًا يحجب الأبصار، وصار من المستحيل على الجارة الحشريّة رؤية من يدخل ويخرج إلى المنزل، هي التي ترصده ليل نهار ولا شغل لها غير ذلك!!

بلغت آفة الحشرية والقباحة بتلك المرأة أن استوقفت صديقي المحامي وهو خارج إلى عمله وقالت له:

أرجوك يا جار، لو تشحّل هذه الشجرة بعض الشيء، باتت عالية جدًا وتحجب عني الرؤية والهواء!

عندما تجاهلها مفهمًا إياها أن ليس من شأنها أن تملي عليه ما يجب فعله بالغاردينيا، انهالت عليه بالشتائم، والدعوات عليه وعلى عائلته، وفي غضون اسبوع يبست الشجرة وتساقطت أوراقها وأضحت حطبًا للموقدة!

هو الفضول المجبول بالحسد ما يجلب البشاعة والقهر والإساءة والموت والجفاف، يقول هوراس: “تجنّب الحشريين المتطفلين، لأن آذانهم مفتوحة للسمع وأفواههم لنشر ما يؤتمنون عليه”.

ولعلّ أبلغ ما يقال في هذه المسألة قول الإمام علي عليه رضوان الله وسلامه:

“لا تخض فيما لا يعنيك، وأقصر همتك على ما يلزمك، فإن ضياع العقول في طلب الفضول”.  

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *