وثيقة نادرة بخط يد سعيد عقل … إلى صبري الشريف حول محبته للإسلام

Views: 668

سليمان بختي

وقعت هذه الوثيقة النادرة بين يدي وأنا منهمك في التحضير لمقالة عن صبري الشريف (1922-1999) في مئوية ولادته. وبعد حديث مطول مع منجد صبري الشريف أرسل لي عدة أوراق تتعلق بوالده صبري وإسهاماته ودوره في العمل الإذاعي ومع الأخوين رحباني وفي الفولكلور اللبناني  والمشرقي ومهرجانات بعلبك. وبين هذه الأوراق هذه اللقيا وثيقة مكتوبة بخط اليد وموقعة باسم الشاعر سعيد عقل ( 1912-2014) وغير مؤرخة. بحسب منجد فإن الورقة- القصيدة كتبها سعيد عقل في بداية الحرب اللبنانية وأعطاها لوالده. وإنه كان آنذاك مقيمًا في فندق ألكسندر في الأشرفية والورقة ممهورة باسم مؤسسة فندق الإسكندر. عنوان الورقة “حببني الإسلام ب ه” ومكتوبة بالعامية. 

1-أعرف أنو الله مش رب جماعا، رب العالمين.

2- مارس الزكاة؟ يعني أعطي من العطاني ياه الله. 

3- ردد كلما إفتكرت بآمي، أجمل شعر عنها نزل بكتاب “الجنة تحت جرين الأمهات”. 

4- إنزهل بلبنان كيف البيعرفو بيحبو يدخلو ع الحديث إنو تراب الجني فيه من لبنان، وعرش الله معمول من خشب الأرز اللي بلبنان. 

5- إذا نسيت كل شي نقال عن الحب، بكل الدني، ما إنسى كلمة محمد، تنين ماتوا من كترة ما حبو بعضن بيطلعوا دغري عالسما”. 

 صبري الشريف 

 

هوذا الشاعر سعيد عقل بكل نتعاته وشطحاته وغرابته، بكل شغفه وحماسته وجنونه.

أحب صبري الشريف وأحب أن يقول له شيئا جميلا عن الإسلام وثرائه. هو الذي كتب واحدة من أجمل القصائد في الإسلام وهي قصيدة “غنيت مكة” 1966 وغنتها فيروز من ألحان الأخوين رحباني. وعندما طبعت الاسطوانة للمرة الأولى وضع اسما  مستعارا هو “سناء الرشيد” وفي الطبعة الثانية قال له عاصي رحباني: “كل الناس تعرف إنك مؤلفها ما عدا سناء الرشيد”. فقبل وضع اسمه على الأسطوانة.

وفي الوثيقة يظهر حبه للبنان، حلمه الكبير، وأن تراب الجنة فيه من تراب لبنان/ وأن عرش الله مصنوع من خشب الأرز. 

في هذه الأيام اليابسة نفتقد من يحلم بلبنان مثل الحالم الشاعر سعيد عقل ولو اختلفنا معه في العديد من المواقف والمنطلقات والأراء السياسية.

و لكن من مثله يضع لبنان في أعلى المراتب :”صخرة علقت بالنجم أسكنها/ طارت بها الكتب/ قالت: تلك لبنان”. “أنا حسبي أنني من جبل /هو بين الله والأرض كلام” أو “عم إحلمك يا حلم يا لبنان” وغيرها.

سعيد عقل

 

من مثل سعيد عقل يتصل برئيس الجمهورية ويدعوه لأن يمنح  صبري الشريف الجنسية اللبنانية لأنه صاحب الفضل على الفولكلور اللبناني ومهرجانات بعلبك.

من مثله ينتظر الشاعر ناظم حكمت الشيوعي على رصيف مرفأ بيروت ليدخل الى لبنان ضمان نطاق الحرية. وصفه جهاد الزين في أحد مقالاته بأنه أبو الثقافة اللبنانية.

من مثله كتب نشيد العروة الوثقى كما جاء في العدد الرابع من مجلتها 1931 “كلفت الهيئة الإدارية الشاعر الرفيق الأستاذ سعيد عقل مهمة وضع نشيد الجمعية، وقد فعل ذلك ووفق الى نظم قصيدة من عيون الشعر تمثل مبدأ العروة كل تمثيل “للنسور … ولنا الملعب/ والجناحان الخضيبان بنور/ العلى والعرب”.

ونشيد الحزب السوري القومي الإجتماعي “سوريا فوق الجميع، تزرعينا / من ذرى طوروس أمجادا الى  مقلب سينا/ ومن الأبيض في الغرب الى دجلة شرقا/ أمة أم شعلة ترقى”.

وهو الداعي الى فينيقيا والى الحرف اللاتيني. صاحب المسرحيات الشعرية الثلاث “بنت يفتاح” 1935 و”المجدلية” 1937 و”قدموس” 1944 و”رندلى” و”كما الأعمدة” وفي كل كتبه أكثر ما تجد الجمال والحب والسمو والفرح.

الأخوان رحباني وفيروز

 

من مثله يعيد للكلمة الشعرية نارها الأولة وينحت في رخام الكلام.

من يفري فريه و يريد لبنان وطنا للحقيقة وقدموسه هو لبنانه ويريد لبننة العالم.

من يقول له إن اللبننة صارت رمزا للتفتت والتشرذم والفساد والتناحر في العالم. أو حين يسائل  الشام ” سائليني” 1960 :” كأحلى ما يكون الكلام:” سائليني حين عطرت السلام/ كيف غار الورد وإعتل الخزام/ و أنا  لو رحت أسترضي الشذا / لأنثنى لبنان عطرا، يا شام” أو “انا صوتي منك يا بردي/ مثلما ماؤك من سحبي” أو “شام يا ذا السيف لم يغب” أو “امويون ألحقوا الدنيا ببستان هشام”. في كتابه “رندلي ” عرف الشعر :” الشعر فيض على الدنيا مشعشة/ كما وراء قميص شعشعت نجم/ أو “أجمل ما يؤثر على أرضنا/ أوهامها أنك رزت الوجود”. أو في غزلياته “لوقعك فوق السرير مهيب/ كوقع الهنيهة في المطلق/ كشلال ورد هوى من عل/ فلا نجم في ألافق لم يشهق”.

محمد عبد الوهاب

 

ذات مرة سأله الموسيقار محمد عبد الوهاب وهو يلحن قصيدته “مر بي” 1968 لتغنيها فيروز: “ماذا تريد من القصيدة؟” أجابه:”أريد لصوت فيروز أن يأخذني أنى يريد” أردف عبد الوهاب :” هذا تواضع كبير  منك أنا كموسيقار أريد بالكلام أن يأخذني إلى اللحن”. 

لماذا جافى سعيد عقل اللغة العربية وهو الذي أبدع فيها ما ابدع؟ هل وعد بأن يكون أمير الشعراء العرب ولم ينادوا به؟

ولكن يبقى سعيد عقل يتحرك في فيض من الصور “فسكوت يتمتم وحلم يضيء” على ما يقول صلاح لبكي.

كان سعيد عقل يريد لبنان وطن الحب والبطولة والمجد والعظمة والنبل.

كان يريد عملقة لبنان وأن يرفعه ويعليه على رؤوس الأصابع والاشهاد كأنه مسرى الردجاء الى الاتسامة الأغنية.

نتذكر وتفجعنا الهوة بين اليوم والأمس ونأسى على ماض تولى. 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *