انفجار مرفأ بيروت… “عارض الناجي والشعور بالذنب” انفجار ضمير الوطن

Views: 25

 Nivrette El Dalati Grégoire.  (Paris)

 

اليوم ذكرى الانفجار الذي دمّر مرفأ العاصمة بيروت، وقسما كبيرا من الأحياء القديمة للمدينة، خلال بضع دقائق: 750 2 طن من نترات الأمونيوم، مخزّنة في العنبر رقم 12 من المرفأ التجاريّ القريب من المناطق السكنيّة، نتج عنه: 207 شهداء، أكثر من 6500 جريح و9 من المفقودين.

هذا البلد الذي كان أرض الأحلام، و”لؤلؤة الشرق” تحوّل تدريجيا بالنسبة للبنانيين إلى جهنم، وحرمهم من العيش حياة طبيعيّة  منذ 1975 : حروب، اغتيالات، تدخل دول، احتلالات، فساد.

بالإضافة الى جريمة انفجار المرفأ، أتت كارثة اقتصاديّة، لتجعل الحياة اليوميّة للبنانيّ أكثر تفاقمًا:عبر:غلاء المعيشة الذي استنفد مدّخرات اللبنانيين، انهيار العملة اللبنانيّة مقابل ارتباطها بالدولار. امتناع المصارف عن اعطاء المودعين أموالهم، وحرمانهم مدّخرات جنى عمرهم لعدة أسباب أهمها: أزمة بينها وبين الدولة، الفساد المستشري على كلّ المستويات في المؤسسات العامة، هروب رؤوس الأموال المكتسبَة بطرق غير شرعيّة .

شباب وشابات يغادرون الوطن بحثًا عن مستقبل أفضل، مستشفيات تفرغ من طاقمها الطبيّ ومن العاملين في قطاع التمريض وسط جائحة “كورونا” وبسبب تردّي الأوضاع الصحيّة على كلّ المستويات: ( أدوية غير موجودة، انقطاع مستمر للكهرباء التي كلّفت المواطن 30 مليار دولار ليغرق في الظلام، لولا اشتراكه المكْلِف في القطاع الخاص عبر مولّدات خاصة ).

ناهيك عن اهتمام المواطن بنفسه، لشراء أدويته من الخارج، فتحوّلت حقائب الهدايا والفرح إلى حقائب وجع وذلّ، لجلب حليب للأطفال وأدوية لأوجاع المرضى.

أما القضاء الذي كان من المفترض أن يقوم بتحقيق محايد، مستقل، مع السياسيين المسؤولين على كلّ المستويات، (في جريمة انفجار المرفأ، أو سبب العجز في المصارف)، فلقد اصطدم بوضع العراقيل بوجهه، من خلال التدخل والتداخل الداخليّ والخارجيّ بين القضاء والسياسة، وتقاعُس السياسيين على أعلى المستويات عن قبول رفع الحصانة عن بعض المسؤولين في الحكم، فتعثّر التحقيق وراوح مكانه.

أمّا بالنسبة لعائلات الضحايا، فإنّ احتجاجاتهم لم تتوقف منذ وقوع الفاجعة، وهم يطالبون بإيجاد المسؤولين عن سبب استشهاد ضحاياهم، إلّا أنّهم يصطدمون دائما بتهرّب السياسيين واختبائهم خلف عباءة الحصانات، مما يمنع هذه الأُسَرْ القيام بالحداد على ضحاياها، وإزاحة هذا العبء النفسيّ للتصالح مع نفسها والبدء بحياة شبه عادية.

بالإضافة إلى الأضرار الماديّة الناتجة عن الانفجار، من المعروف عادة أنه في حال حدوث كوارث غير طبيعيّة أو حوادث مثل : ( أعمال ارهابيّة، حوادث سير، سقوط طائرات،  حرائق…الخ) من الممكن أن تنشأ بعض الاضطرابات النفسيّة بدرجات متفاوتة لدى من تعرّض لها ونجا، بينما توفي فيها أخرون. فيصابون “بعارض الناجي” نتيجة الشعور بالذنب كما يسميه الطبيب النفسيّ الدكتور (نيدرلند 1959)

 يمكن أن يظهر هذا العارض لدى بعض الأشخاص الذين كانوا في موقع انفجار المرفأ ونجوا من هذه الكارثة، خاصة من بين الجرحى وبعض أفراد عائلات الضحايا، مما يمكن ان يولّد لّدْيهم “الشعور بالذنب” و ” كآبة كامنة ” بسبب بقائهم على قيد الحياة بينما توفي من كان معهم أو من كان في نفس المكان.

من المحتمل أيضا أن من كان في بيته مع أفراد عائلته، وفَقَدَ أحدًا منهم، بينما هو نجا من هذا الانفجار بأعجوبة، أن يشعر بالذنب لاعتقاده أنه “خان” الشخص الذي فَقده، لعدم قيامه بما يلزم لانقاذه أو تجنب وفاته. ويعيش بعض هؤلاء الناجين ” بالألم التدميريّ ” كما يسميه عالم النفس الأميركيّ من أصل نمساوي (برونو بتلهايم) ويبقوا أسرى تساؤل مستمر

 ” لِمَ أنا ؟، ” لِمَ أنا نجوت من هذا الانفجار وتوفي من كان معي؟ “

أما الأهل الذين فقدوا أحد أبنائهم في هذا الانفجار، ويفكرون بإنجاب ولد آخر ليحلّ محله، فيُخشى أن يكون ” ولدا بديلا ” “ليحلّ مكان شخص لم يعد موجودا ” كما يسميه الطبيب  النفسيّ الفرنسيّ (موريس بورو) مما يولّد لديهم عارض “الشعور بالذنب لدى الأهل”. 

أمام هذه الصفحة السوداء من تاريخ لبنان، الناتجة عن طبقة سياسيّة غالبيتها فاسدة، منغلقة على ذاتها، ليس هناك أي أمل بحدوث أي تغيير في البلد، فهي متشبثة بمناصبها، ليس إلاّ للحفاظ على مصالحها الشخصيّة ومصالح بلدان أخرى، فهي أظهرتْ بشكل قاطع عدم اكتراثها بإدارة دولة أفرغتها من معناها، وحوّلتها الى دولة أشباح بحيث إنّه لم يعد لها أي وجود. لقد أثبتت عدم أهليتها ورغبتها لتحسين الوضع الكارثيّ الاجتماعيّ والاقتصاديّ، مع إهمال كلّي لحياة المواطنين الذين لم يعد بإمكانهم الحصول حتى على أبسط مقوّمات الحياة اليوميّة، وكأن هذه الطبقة الحاكمة تقف وقفة المتفرج أمام بيت يحترق وهي تنظر الى مكان آخر بدل إطفاء الحريق.

أزاء هذا الوضع السوريالي المخيف، والمذلّ، ألم يحن الوقت بعد ليخرج اللبناني عن صمته ليعيد لهذا الوطن كرامته ودولة الحق التي يستحق؟ 

لِمَ لا يتحِدّ اللبنانيون رغم انقسامهم المفتَعَل من قِبَل ما يسمى “الزعماء”  للقيام بثورة وطنية، سلمية، حضارية؟

 هل أصبحوا ضحايا عارض آخر “عارض ستوكهولم” وتعاطفوا مع جلاديهم؟

نأمل من هذا البلد الذي كان جنة حقيقية، ان يخرج من هذه الشبكة العنكبوتية التي نسجها له من يستغله لمصلحته الخاصة، أو لمآرب سياسية تتخطى حدود الوطن.

كلّ التعازي لأهالي الضحايا والجرحى، ألمُكُم ليس ألماً شخصيا انه ألم وطني شامل..

 هذا الانفجار هو جريمة تاريخيّة، إنّه انفجار ضمير الوطن.

***

(*) اللوحة الرئيسية: “هيروشيما لبنان”، فكرة تياري شهاب

 

(royaldentallabs.com)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *