كانت لنا أيام

Views: 387

د. جان توما

 

منذ الصباح الباكر وأنت مرصوف أمام محطة بنزين. تقتل رتابة الانتظار بقراءة دراسة عن خليل حاوي ومحمود درويش. الأول قتلته الوحدة والسؤال الدائم المقلق، والثاني نادته حقيبة الوطن الساكن فيه فمضى إليه.

هكذا يقتلنا روتين يومنا كلّ صباح. لم تعد زقزقة الطيور على إبداعها. راح الإيقاع منذ راحت هناءة العيش التي لم نعرفها في هذا البلد الواقف على صفيح ساخن. تدور بك دوائر تفاصيل الحياة وتكاليفها فتسأم من تلذّذها بتعذيبك.

يفكر الناس منذ الآن بتشرين القادم؟ هل من مدارس؟ هل من جامعات؟ هل من عمل؟ هل من حلّ غير حقيبة الهجرة؟

لم تعد الأيام تمرّ بفرح؟ لكلّ يوم أسئلته ولكن دون إجابات؟ كم هو مزعج طرح سؤال لا تقع له على جواب. هو أشبه بالفلم أو الرواية حيث النهاية مفتوحة لك لتضع خواتيمها. تتعب في وضع النهاية. تأخذ أبطال الفلم أو الرواية إلى نومك. يصيبك الأرق فلا أنت ترتاح ولا تريح شخصيات البطولة. لقد جنحنا، بالتربية، إلى النهايات المقولبة، والحلول المكبسلة، والمواقف المعلّبة. اعتدنا اجتراح المخارج عند سدّ الطرق. كم قزّموا أحلامنا؟ كيف سمحنا لهم بربط حبال على أجنحتنا؟ كيف سمحنا لهم بوضع الأصفاد في معاصمنا ورموا المفاتيح في البحر؟

تعب الناس ولم تتعب الأحوال. طالت ليالي الضجر وغاب الفرح. يصطنع الناس الابتسامة فقد تبدّلت الأوضاع. لم تعد جلول التفاح وكروم العنب وحدائق الأزهار تنادينا، بل أغرقونا في التفكير بالغد ومصاعبه ومتطلباته وقد كان مفترضًا أن يأتي هادئا وواعدًا.

مع خليل حاوي تجتاح مدنك الانكسارات ومع محمود درويش تحنّ إلى خبز أمّك وتشتهي قهوتها، فهل من يقيم المدن بهيّة من جديد؟ وهل من يؤكّد أنّ كسر فنجان القهوة ما زال يعني أنّ الخير آتٍ، وأنّ عودة البلد إلى البلد ممكنة؟!

****

(*) اللوحة للفنان حبيب ياغي

‏Maison de fleurs

‏Huile 80×80

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *